الأحد، 12 أغسطس 2012

حوار مع صحيفة آخر لحظة السودانيّة اليوميّة

صحيفة آخر لحظة السودانيّة اليوميّة
 حوار عيسى جديد.. تصوير سفيان البشرى 
الثلاثاء 10 – 7 – 2012م 
حوار مع الشاعر عبد الرؤوف بابكر السيّد... شاعر الهاجس والحرف 
حملت وطني داخلي في الغربة.. والآن غريب في وطني 
سلطة الله على المثقّفين أن يوضّحوا آراءهم للسلطة 

الحرف حين يفرّ من وكر الكذب يبقى طريدا .. ما بين حبر منسكب.. أو عبر فعل مضطرب.. قابعا ومكبّلا بعيون أمن ترتقب.. هكذا يعرّف نفسه في مشهد شعري ثائر باحثا عن مرافئ آمنة للنفس.. ارتحل طويلا في الغربة حتّى أرّقته فكان هاجسه وسؤاله القلق.. . الشاعر عبد الرؤوف بابكر السيّد، جلست معه آخر لحظة في قراءة لهذا الهاجس والحرف، فتحدّث بجرأة عن كلّ الأشياء التي تقلقه، وعن حلمه بوطن متماسك وفضاءات أرحب. إلى محطّات الحوار: . مدخل أوّل.. إضاءة عن النشأة والتكوين في سطور .. 
أنا عبد الرؤوف بابكر السيّد .. أستاذ جامعي مشارك.. ولدت بقرية المتمّة، ونشأت في أم درمان، وأكملت تعليمي الابتدائي والثانوي بها.. أما الجامعي فدرست بجامعة القاهرة فرع الخرطوم سابقا.. كلية الآداب.. وقمت بتحضير رسالة الماجستير تحت عنوان " المدارس العروضيّة في الشعر العربي" التي نوقشت في مطلع العام 1972م.. عملت بوزارة التربية والتعليم، وفي إدارة المناشط التربويّة.. وفي الإعلام كنت أقدّم برنامج مع الطلاب لمدة عامين متتاليين بتلفزيون جمهورية السودان.. وفي العام 1975 انتقلت إلى ليبيا وبقيت بها حتى 1986م، عدت بعدها وأسّست مجلّة العقل الجماعي 87- 1989م، بعدها عدت إلى ليبيا 1991م وعملت بجامعة سرت، إلى أن وصلت لمرحلة التقاعد وفي 2010م كانت عودتي من الغربة إلى السودان. 

ملكة الشعر عندك قويّة كيف اكتشفتها؟ واحتفيت بها.. وعلى ماذا اتّكأت لتنهض بها؟؟ هذه مسألة قديمة.. فأنا كتبت الشعر منذ أن كنت طالبا في المرحلة الثانويّة، وصقلته في الجامعة، وكلما ازدادت المعرفة لدي وأنا أبحث تكثّفت اللغة عندي حول قضايا كثيرة.. حول الوطن.. حول الأمّة العربيّة، فكتبت الشعر وفق المخزون ووفق رؤيتي..الشعر بالنسبة لي قضيّة تحمل مضمونا وهدفا إضافة إلى المشاعر..لقد اتكأت على كلّ ما كتب في الشعر، ونهلت منه، وتشرّبت به، واشتهرت بكتابة المطوّلات.. لديّ مجموعة من الدواوين يضمّها ديوان الحروف، ثمّ مجموعة المفردات ، ومجموعة أخرى هي السياق.. فهي مجموعات تضمّ دواوين شعري.. والشعراء هم أهلي وأسرتي وقبيلتي، منذ مرحلة الثانوية وحتى الآن، بدءا في الحديث من شوقي وحافظ والبارودي والرصافي والجواهري وحتى درويش وسميح القاسم وأدونيس والفيتوري وعبدالصبور والبياتي ونزار- قائد الثورة الاجتماعيّة قبل 67 والسياسيّة بعدها –ومظفّر النواب وأمل وغيرهم.. كلّ حديقة الشعر كنت أتجوّل بها على الدوام، وأختار كلّ يوم ركنا قصيّا فيها مع أحدهم.. ومازلت أقرأ كلّ جديد في الشعر.... 

الشاعر .. هل هو بالضرورة معنيّ بحلحلة القضايا.. أم بطرح الأسئلة القلقة الباحثة عن إجابات والمضيئة للعتمة؟ 
 الشاعر منذ القدم هو إعلاميّ صاحب رسالة.. وعند القبيلة كان هو صوتها ولسان حالها المدافع عنهابالحرف والكلمة، لذلك هو معنيّ بطرح الأسئلة القلقة الباحثة عن الحقيقة، والإجابات التي تهدف لحلّ قضايا.. وهنا الشاعر يحتاج إلى الصدق والثبات على المبدأ وسط تعقيدات الحياة المتشابكة، وحتى يبعث برسائله إلى القارئ.. أنا ضمّنت كل هذه القضايا ورؤيتي في الحياة وفي السودان والوطن العربي في مجموعات كبيرة من القصائد، حتّى قضيتنا مع التراث ضمّنتها متوني الشعريّة.. لا أفرضها على أحد، ولكنها رؤيتي الخاصّة..

الشعر عندك مبنيّ على التفعيلة، وكذلك الشعر الحر..هل أنت من روّاد هذه المدرسة، وهل من السهل إيصال نصّك إلى القارئ؟؟ 
 أنا في البدء مختصّ بعلم العروض، ورسالتي في الماجستير كانت عن المدارس العروضيّة في الشعر العربي.. والمدارس تعني المدرسة القديمة ومدرسة التفعيلة ومدرسة الموشّحات ومدرسة الشعر الحر.. وكل هذه المدارس قمت بدراستها في رسالتي الأكاديميّة.. لكن بالنسبة لي وجدت أنّ شعر التفعيلة يعطيك مساحة من النّفَسِ تكون صادقا فيها مع نفسك وتسترسل مع مخيّلتك كما تشاء.. لا أن تتقيّد وتصنع.. إيقاع العصر في الجاهليّة كان رتيبا، والبحور هي وليدة إيقاعات تلك المرحلة.. الآن هناك اختلاف، وصعب علينا أن نكتب بإيقاع رتيب، بينما الأحداث تأخذنا خطفا، فإذا تماشيا مع روح المعاصرة يجيء الشعر، ومن السّهل وصوله للقارئ وفقا لأدواته المعاصرة.. وأوّل تمرّد لي على شعر التفعيلة كتبت: 
 تعب مرهق 
 المفصل منّي يتوجّع 
والرأس تهشّم وتصدّع 
والقلب ينادي الصدر يضيق 
وبذهني أغفو وأفيق 
والعرق مع الآخر ينبض يتقطّع 

 مقاطعا.. لكن ألا تعتقد أنّ استخدام الرمزيّة المختزلة في اللغة الشعريّة يضيّق مساحة القراءة وتصبح النصوص هنا للصفوة والنّخب الثقافيّة؟ 
 الرمزيّة تفرض نفسها، فعندما يكون هناك تضييق على المفردة والكلمة من قبل أيّ نظام يلجأ الناس للرمزيّة ، وعندما تكون القضيّة قضيّة حياة يستطيع الإنسان أن يكتب بدون رمز، لأنّ الأمور لا تحتاج بعد ذلك إلى ترميز.. الترميز حين يكون هناك رقيب خارجي فتضطر إلى استخدام الرمز.. وأنا مع الرمز المفتوح والذي به إضاءات وإشارات وليس مع الإيغال في عتمة الرمز ليصبح مبهما ويمكن تأويله وتحريفه.

تحدثت عن الحرف التائه.. والمشتعل دخانا.. والمرتسم جدارا.. والمنطلق رصاصا.. يتمزّق..ماذا يعني لك الحرف؟ وكيف تطوّعه ليكون المعنى والفكرة والهدف؟؟ 
 في الأصل هنالك للحرف سلطة وللكلمة سطوة وما بين السلطة والسطوة تكون الكلمة.. كما أن هناك صراع قديم ما بين كلمة السلطة وسلطة الكلمة.. ونلاحظ أنّ أيّ انقلاب عسكري يحدث يضع أوّل ما يضع يده عليها هي منابر الكلمة من إذاعة وصحف وتلفزة، حتّى تصبح كلمته هي التي تسمع.. ولذلك فالحرف بما له من سلطة لا يستطيع أيّ نظام أن يقمعه، فهو يأخذ بالرمزية ويأخذ بالمباشر وينطلق كالرّصاص ويشتعل كما الدّخان، وقد يتوه ولكنه يجد درب الخلاص، والحرف منطوقا أو فاعلا هو الأبقى لأنه خالد، ولهذا فالصراع بين سلطة الكلمة وكلمة السلطة .. من الصعب أن تؤاخي بينهم، إلا إذا كان هناك تلاقح مابين المثقفين والسلطة ، لا أن يبرّر كلمة السلطة .. لا .. لكن أن تأخذ السلطة ما تقوله الكلمة.

مقاطعا.. على ذكر علاقة السلطة بالمثقّف.. يقولون إنّ السلطة تسعى دائما لاحتواء المثقف، كيف ترى هذه العلاقة الجدليّة؟؟ 
 مثل ما قلت لك.. إنّ السلطة تعتبر أنّ لها كلمة تعبّر عن أيديولوجيتها التي ترى ضرورة نفاذها عبر المجتمع، ومن ثمّ تبحث عن المثقفين الذين يبرّرون لها ما تفعل.. وأنا أرى أنّ سلطة الكلمة على المثقفين هو أن يوضّحوا آراءهم وعلى السلطة أن تستنير بما يكتب لا أن تحتوي المثقفين وتدجّنهم، ولا أن تقمع ما يكتب لإسكات صوتهم. 

 هذا يحيلنا إلى الكلمة في كتاباتك ونصوصك.. عن الهاجس والحرف يتربّص بك وتتربّص به شعرا، افصح لنا عن ذلك.... 
 وتريّة الهاجس والحرفمحاولة شعريلمعالجة قضايا إنسانية وطني وعربية قوميّة، وه الهاجس متربّص بي لأنني متهجس به، ووتريّة الهاجسوالحرف فيها الجانب التكثيفي للمعنى وبها اختزالواختصار ولمحات، ثمّ تداعيات اللف مع تداعيات انتقالات المعنى.. ذا و اسلوب الذي اتبعته، إضاف إلى ّالقضايا المعاشة الآن تؤرّق كلّ الشباب العربي وكل المواطنين العرب هي ذات القضايا.. وهذا ما يوضّح اهتمام المثقفين بهذه الوتريّة – حسب ما أزعم – أي أنه جملة قضايا يعيشها المواطن العربي منذ فترة طويلة وحتى الآن لم يجد لها حلاّ..

وتريّة الهاجس والحرف تقودنا إلى الغربة والحنين إلى الوطن.. وعن الغربة كتبت " عالقة تملأ فينا العمق.. البعد.. النفس.. اليوم.. الأمس.. فكيف كون .." فكيف كنت أنت في الغربة؟؟ 
كنت حاملا وطني في داخلي حقيقة .. وأحسستُ بالغربة بعيدا عن الوطن كما أحسست بها أيضا وأنا الآن داخل الوطن .. وفي وتريّة الهاجس والحرف أقول:
 ما بال الهاجس يوغل بين مسامّ التربة 
 يكتب فينا كيف نكون؟ 
نتعلّم كيف؟ .. وفيمَ؟؟ .. علامَ ؟؟؟ وأين نكون 
من كنت تكون.. من كان يكون.. 
فالغربة عالقة 
تملأ فينا .. العمق البعد.. النفس .. اليوم.. الأمس
 فكيف نكون؟؟ الغربة عالقة يا هاجس منذ امتدّ البصر وعانق أرصفة الميناء عانق ألوان الأزياء مذ زاغ البصر.. وضلّ الأثر.. وشحّ المطر.. بلا مبتدأ بقي الخبر بدون حياء... إذن نحن عالقون في الغربة بحسب ظروفنا.. وعانقنا أرصفتها طويلا..لأننا مستهلكون نحتاج إلى كلّ شيء من الخارج.. فالغربة ظلّنا إلى أن ننتج ونستكين في أوطاننا..وأن نزرع ونصنع حتى لا نكون رهائن لدى الغير..لذلك أجبرنا على الغربة..

 الوطن مفردة لديها مساحة خاصّة في نصوصك الشعريّة خاصّة وأنت في الغربة، وهنالك حنين وشوق في المطوّلة الأخيرة التي كتبتها "أشجان التحيّة والسّلام" 
 أكيد الوطن حاضر دوما عندي.. كتبت قصائد كثيرة والمطوّلة التي كتبتها بعد عودتي إلى أرض الوطن بعنوان " أشجان التحيّة والسلام" أقول فيها: 
 أغنّي لكم أم أمنّي الوطن.. 
أثير الشجون... أم أعرّي المحن 
وما بالكوامن أصل الغياب وسرّ الإياب 
فأمّ المعاول تهدم فييّ المعاني العذاب 
نفضت غبار السّنين بليل تمطّى طويلا ولم يرتحل 
أنقّب عن بعض نبت نشأت عليه وبعض حروف لا تستكين 
وبعض حروف ليس بها حرف لين 
لكي أستبين الملامح عيني تصافح نبض الخطاب 
مسكون أنا بحبّ الوطن، السودان أو الوطن الكبير.. الوطن العربي.. كتاباتي كلها حول قضايا الوطن والمواطن.. ونحن نحتاج إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن نحبّ الوطن..حتّى الآن ثقافة العمل الطوعي غير متجذّرة ، الكل يريد مقابلا.. أين التربية الوطنيّة، لماذا لا يتم استغلال هذا الكم الهائل من البشر في إنماء المجتمع.. لماذا نحن قاصرين على مجموعة معيّنة هي التي تسيّر هذا الوطن وتتحكّم فيه؟؟ .. هنك كفاءات كثيرة وهناك عقول ومفكرون ، لماذا نختزلهم في مجموعة هي التي تحكم فقط؟ ولماذا صوتي أكتمه عبر بطاقة انتخاب ولا أتحدّث عبر صوتي؟؟

 ليبيا شكّلت في دواخلك الكثير.. ولك علاقات مع أدبائها، ونلت العديد من الجوائز الأدبية ، وكان حضورك فيها واضحا... تحدّث لنا عن تجربتك هناك..... قضيت في ليبيا فترة طويلة، حيث الجامعة والتدريس والعلم، وشاركت في كثير من المسابقات الأدبيّة ، وكنت عضو لجان التحكيم في المسابقات العلميّة بالجامعة والجامعات الأخرى، وبطبيعة الحال لديّ علاقات وتواصل مع الأدباء في ليبيا، وأذكر منهم الروائي الكبير إبراهيم الكوني، والذي تميّز بأدب الصحراء، وكتابته عن أساطير أهلها وعوالمهم المدهشة ، ويذكرني بجماعة الغابة والصحراء..لأن كتاباته تعمّقت في الأدب الأفريقي، أو ما يعرف بأدب جنوب الصحراء والأفريقيّات..وهنا لا أنسى الرمز والقامة الشعريّة محمد مفتاح الفيتوري.. الصحراء هي حلقة الوصل ما بين الشمال والجنوب، وليبيا شكّلت بإدبائها رابطا مهمّا.. كذلك نحن في السودان.. وأنا كتبت في هذا الفضاء الأفريقي.. وهنا جدير أن أذكر أن قصيدة الهاجس والحرف التي نسبت للشاعر الفيتوري كان صديقي البراق النذير الوراق قد أعادها إليّ وهو الذي سمعها حين ألقيتها مرّة في احتفاليّة بقاعة الصداقة بالخرطوم.. هذه الحادثة أشعرتني ببعدي عن السودان وتواصلي الإعلامي والثقافي.. ولكني مازلت أحتفظ بعلاقاتي معهم.. 

 لديك مرثيّة كتبتها عن القذافي، بعكس الآخرين الذين انتقدوه.. كيف تفسّر موقفك؟؟ هي ليست مرثيّة .. لقد كتبتها أثناء الأزمة الليبية حين رأيت الغرب وقد تكالب عليه، فتأثرت بما يحدث، وأنا لست مدّاحا بشعري، ولم أكتب عن القذافي خلال وجودي بليبيا، أنا أمدح الأفعال وليس الأشخاص.. وقد يختلف معي الكثير من الناس وقد يتفقون.. أنا عشت 35 عاما بليبيا ورأيت وسمعت وعاشرت والتقيت بشعب ليبي طيب ودود، وفجأة ظهر صراع دموي شرس مدعوم من الغرب، من أجل ماذا؟؟ من أجل السلطة، وهنا أتذكر قول الشاعر أمل دنقل: لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كلّ قيصر يموت قيصر جديد وخلف كلّ ثائر يموت أحزان بلا جدوى ودمعة سدى لهذا كتبت انفعالا بالحدث، وتعريفي للثورة أنها ثورة ثقافية للمجتمع لتغيير بنية المجتمع نحو الأفضل.. ونحو الوعي، لا من أجل التغيير السياسي، ونحن مررنا بتجربتين ثورة أكتوبر والانتفاضة..

 بهذه المناسبة وعن العودة إلى السودان.. كيف وجدت الوسط الثقافي والمشهد الأدبي السوداني: أنا حقيقة عندما عدت.. صدمت بأن ليس هناك اتحاد للكتاب، بل هناك اتحادات.. وبالتالي أحجمت عن ذلك واعتكفت بمنزلي منذ حضوري.. ولم أتواصل كثيرا سوى بعض اللقاءات عبر قناة الشروق وقناة أمدرمان، والآن معكم كأول صحيفة تستضيفني بعد العودة، هذا لأنّ الوسط الثقافي متشرذم وفي حالة جزر متباعدة، ولست أدري ما هي الأسباب التي تدعوهم إلى هذا بدلا عن الوحدة والعمل تحت مسمّى واحد لأن الثقافة هي الأخرى والأدب السوداني يحتاجنا جميعا من أجل التوثيق والتعريف والنهوض به داخليا وخارجيّا، وأعتقد أن مسألة الخلاف ليس لها ما يبرّرها، إلا إذا كانت هناك تقاطعات سياسية،وهنا فقد انتصرت السياسة..وبالنسبة للشعراء الشباب أعتقد أنهم يبشّرون بخير ويحتاجون إلى رعاية، لأنهم في قمّة الجبل، ويتنبّأون بالمستقبل ويقرأون القادم، ويشعرون بالمواطن، فقط نحتاج إلى توحيد أنفسنا أوّلا..وعلى ماذا نختلف إلا إذا كان صراعنا على السلطة وهذا خلل كبير وعيب.. وعلى الشاعر أن يكون للجمهور وليس سلطويّا، وينطبق هذا على كلّ المثقفين والأدباء، ليستقيم المشهد وتنجلي الصورة. .

 بالعودة إلى فضاءات الشعر .. حدثنا عن العاطفة .. المرأة..وكيف تتمخّض عندك اللحظة الإبداعيّة . من خلال مخزون فكري وهواجس عديدة تتمخّض عندي اللحظة الإبداعيّة، وعادة أكتبها عندما أريد أن أخلد للنّوم فأسجّلها على الورق، والعاطفة هي الهاجس الأوّل للشعر متجسّدة بالحب العام للوطن ..للقيم والمبادئ..للحبيبة المرأة الأنثى.. وهي لها بطبيعة الحال الأثر في كتابة النص العاطفي.. ولكن الكتابة بالأغراض القديمة في الغزليات والهجاء والمدح قد تجاوزها الزمن.. نحن الآن لدينا هاجس أكبر من الأسرة الضيّقة من المشاعر الضيّقة.. هاجسنا هو الوطن.. وأنا أتساءل لماذا نحن بكّائين شكّائين؟؟؟ لقد بكينا الأطلال في القدم.. وبكينا بغداد عندما غزاها المغول..وبكينا الأندلس عندما فقدناها، وبكينا القدس.. وإلى الآن نبكي الماضي.. ما الذي فعلناه غير البكاء، نحن أسرى لما كتبه آباؤنا في عصر التدوين الأوّل حتى الآن.. لم نكتب جديدا..فأصبحنا عالة على تراثنا وعالة على الغرب.. ما الذي قدّمناه.. اللغة العربيّة ماذا تحمل الآن من معرفة؟؟هي الآن ضعيفة لأنها لا تحمل معرفة، محميّة فقط لأنها تحمل النص القرآني.. فالغرب أخذها وتعلّم من خلالها العلم وظللنا نحن في الظلمات بل نأخذ عنهم العلم..

 مقاطعا... هذا يحيلنا إلى سؤال ضروري.. أين نحن من حركة التجديد والنقد العربي لكل أشكال الكتابة؟؟؟ أنا قمت بتدريس النقد الأدبي الحديث والمعاصر، وكل المناهج النقدية المعاصرة من البنيويّة وحتّى التفكيكيّة ، كلّها مناهج غربية المنشأ.. المنهج العربي الوحيد الذي ضمّنته لهذه المناهج في التدريس هو منهج التحليل الفاعلي، وهو منهج عربي أخذته عن نظريّة التحليل الفاعلي للأستاذ الشيخ محمد الشيخ العالم السوداني، والموجود الآن بالسودان، وكان زميلي في التدريس بالجامعة.. ولا أحد يتحدّث عنه فلا كرامة لنبي بين أهله وزامر الحي لا يطرب.. رغم أنه المنهج العربي الوحيد الذي يصلح للنقد في الأدب العربي، وقد قمت بتدريسه لكثير من طلابي، وقاموا بتحضير رسائلهم عبره.. كما أننا نحتاج إلى التعمّق في النقد وفقا لدراساتنا نحن وليس لدراسات الغرب، لهذا نجد حركة التجديد والنقد لدينا شائهة..

 بماذا تختم لنا من قراءة شعريّة؟؟ - 
السلام على الأسماء المجهولة إلاّ مع الألقاب 
السلام على الوطن المكبّل بالحروب وبالحراب 
السلام على حروف اللين والجسد المستكين المصاب 
السلام على من لم يجد غير أن يشرب من البحر أو أن " يسفّ التراب" 
السلام على الفاقدين المراسي والحاملين المآسي والصابرين الرواسي 
والمكتوين بنار اكتئاب والفائزين انتخاب واللابسين الحجاب 
والعالقين الطحالب والفاقدين الصّواب 
والتابعين مسيلمة الكذّاب 
والسالكين دروب المعاصي والقابضين النواصي والمكملين النصاب 
السلام على العجب العجاب 
السلام مع قراءة فاتحة الحبّ وتلاوة أمّ الكتاب.. .
إقرأ المزيد Entry>>