الاثنين، 18 فبراير 2013

                                                   الحب .. أبعاد المفردة ودلالاتها
   

                                                           عبدالرؤوف بابكر السيّد
 
امرأة متزوجة تعيش في وئام مع أسرتها الصغيرة – زوجها وطفلها – خفق قلبها دون إرادتها لرؤية شاب في الحي الذي تقطنه – والقصة واقعيّة روتها لي صديقتها – ولأنها لاتريد هدم أسرتها، وفي ذات الوقت لا تريد أن تصارح زوجها حتى لا تجرح كرامته فهو (رجل شرقي) طلبت منه أن يبيع البيت لينتقلا من هذا الحي الذي أضحى غير مريح بالنسبة لها، ولم تستطع أن تبني علاقات طيبة مع الجيران، إلا أنّ الزوج رفض وبشدّة الامتثال لإرادتها فهو مرتاح في هذا الحي القريب من مكان عمله.. وإيمانا منها بسعة أفق زوجها الذي تعلّم في الدول الغربية ويحمل أفكارا تحرريّة غير متزمّتة، وبأنه يمكن أن يستوعب الأمر إذا صارحته به، لأنّ الحبّ لا يطرق الباب ولا يستأذن أحدا، ويقتحمك فجأة ويحتل مساحة كبيرة من قلبك..صارحت الزوجة زوجها بأنها تعتز به ولا تريد أن ترى شابا في الحي خفق له قلبها، وهي تريد أن تحافظ على أسرتها التي شكلت لها حياتها ومستقبلها.. كانت تعتقد أن الزوج سيكبر فيها ذلك، بل ويستوعب ذلك ويمتثل إلى تغيير المنزل إلى حيّ آخر حتى يغلق الباب كما أرادت على هذا الضيف غير المرغوب فيه، إلا أنها فوجئت بشتمها وتحقيرها بل وضربها من قبل زوجها الذي حرّم عليها الخروج من البيت، حيث أصبح يغلق باب بيته ويحمل المفتاح معه حتى يعود، فأضحت سجينة بيتها، وتحوّلت حياتها إلى جحيم دون إرادتها فالحب لم يستأذن والزوج لم يستوعب.. . فما هي أبعاد كلمة الحب وما دلالاتها؟ الحبّ كلمة كانت إلى وقت قريب محرّمة في مجتمعاتنا العربية، ومنذ القدم عند العرب كان الشاعر الذي يقول شعرا في فتاة يحبها تحرّم اجتماعيا من أن يتزوج بها، وعندنا في السودان كانت الكلمة البديلة لها هي " الريدة " أي المحبّة تحاشيا لإطلاق الكلمة صراحة، بل وحياء من التلفظ بها، إلى أن أحدثت قصائد الشاعر نزار قباني بمثابة ثورة اجتماعية انتصافا للحب كقيمة سامية، وحوصرت الكلمة لتقتصر دلالتها على شخصين يحبان بعضهما على أن تقود هذه العاطفة بينهما أو توجّه نحو الارتباط (الزواج لتكوين أسرة) فيما عدا ذلك فالحبّ محرّم اجتماعيّا.. وهو فهم – حسب رأيي المتواضع – مغلوط أملته البنية المغلقة لمجتمعاتنا، إذ أنه ليس إراديّا، فهو عاطفة تغزو القلوب ولكنه يكبت بحكم البنية الاجتماعية أو الفهم الديني القاصر لدى البعض.. وحتى الاحتفاء به في الرابع عشر من فبراير من كل عام يرى الكثيرون أن فيه تشبه بالنصارى، وهو أمر يحتاج إلى وقفة حواريّة ليس هذا مقامها.. فالحب في مدلوله الإنساني والذي دعمته الديانات السماويّة هو تلك العاطفة السامية التي تربط الفرد بمحيطه عدا نفسه – فحب النفس هو الأثرة الضيّقة ، بل المرض النفسي غير المحبّب في العرف أو الدين..أمّا حبه لمن ولما يحيط به فهو عاطفة إنسانيّة سامية بعيدة عن البشريّة القاصرة على الحب الغريزي الذي يستوى فيه مع كل الكائنات البشريّة، ولا شيء يثري هذه الحياة سوى المحبّة التي تمنحك راحة نفسية وجمالا روحيّا وخصوبة وجدان يجعل المحال ممكنا.. فأن تحبّ الحياة أو أن تحبّ الآخر ليس حبّ امتلاك بل تتمنى له الخير ، أو أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، أو أن تحبّ عملك فتبدع فيه ، أو وطنك ومجتمعك فتضحّي من أجله، أو أن تحبّ فعل الخير من أجل هو خير أو تحب القراءة والتحصيل المعرفي، أو أن تحبّ العطاء بلا حدود، أو أن تحبّ رسولك الكريم وتتأسى مكارم الأخلاق الذي بعث ليتمّمها، أو أن تحب الذات الإلهيّة لكثير نعمها عليك.. تلك كلها دلالات لا ترتبط بمفهوم الحب الذي يتم الاحتفاء به كل عام فهذا له قصّة ارتبطت بحبّ الغريزي بين الجنسين، وهو كما ذكرنا إن لم يقد إلى الارتباط بالزواج فهو محرّم ومنبوذ في مجتمعاتنا.. إلا أنّ الحب السّامي الذي يبنى ويثري الحياة سواء للوطن أو للعمل أو للآخر أيّا كان فنحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا فذلك لا يرتقي إلى الاحتفاء به رغم أنّ أدبيّات بنية الوعي المفتوح قد أشارت إليه، ففي الأمثال الشعبية (الجنّة بلا ناس ما تنداس) وفي الشعر كما يقول المعرّي: ولو أنّي حبيت الخلد فردا لما أحببت بالخلد انفرادا فلا هطلت عليّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا وفي حب الوطن : بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام وعن العمل يحثنا رسولنا الكريم " إن الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ". وعن حبّ الآخر " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبّ لنفسه ". هذه المعاني السامية والتي تنطلق من أبعاد كلمة الحب تمّ اختزالها إلى الحب الغريزي القاصر الذي يتأسس على حب التملّك للآخر، أو إذا لم يتم ذلك انقلب إلى كراهية وحقد بل وانتفام، فالحب الغريزي مفطورة عليه كل الكائنات البشرية بما في ذلك حب الأم لأطفالها أو الوالدين لأبنائهم ، أو الأبناء لآبائهم.. من هنا نرى ضرورة التفريق بين هذا الحب القاصر المحتفى به، وذلك الحب السامي الذي يربط الفرد بمن حوله وما حوله في نشاطه الحياتي العام، حتى نحدّد موقفنا من دلالات وأبعاد المفردة، فالإنسان يشكّل الحب جوهره الداخلي ومرتكز قيمه المثلى ... .
إقرأ المزيد Entry>>