الأحد، 31 يناير 2010

الصوت جسر للعبور

حبلى بلادي، لا تجهدوها بالصراع
لا تجهضوا الحمل فيها، أو تثخنوها بالجراح وما يدور
حبلى كفاها ما تعاني
من مخاضِ قد تعثّر بالتحزّب والتقلّب والسلاح وبالنفور
ما عادت الكلمات تغني
ولا حرف التمرّد في السطور
فالفعل نقش في الوجود
والصوت جسر للعبور
ما عادت الأحلام تشفي للصدور
نادى المنادي أن أفيقوا
فالمحبّة في بلادي للقلوب هدىً ونور
لا صوت يعلو فوق صوتك ياوطن
لاحرف أجمل من ترانيم الوطن
لا عشق في وطن المحبّة غير اسمك ياوطن
. طال الزمن
والشوق أرهقه الشجن
حلّ الوسن
والشرخ زاد مع التخلّف والقصور
هل لعبة الصندوق تكفي؟
حين يسرق صوتنا المجروح والموتور؟
حين تحكمنا تعاليم القبور؟
حين تختزل الحروف بكلمتين..
إشارتين : نعم ولا
هل قتل صوتي داخل الصندوق يشفي الحاقدين
من الجناة أو الولاة، الموبغات، السادرات بغيّهنّ
أو الهجين من الكلاب
أو الأفاعي في الجحور؟
هل غرفة الإنعاش تكفينا الشرور؟
من يستمع للصوت؟؟؟
...لا أحد فأودعه البطاقة
...هكذا أنت المواطن لعبة
...فيها السياسة والسلامة والحذاقة..
وينتهي الدور الكبير
بالطول أو بالعرض
بالقهر بالتزوير
وتختزل الملايين العديدة في الرئيس أو الوزير
ما هكذا يا سادتي تبنى البلاد
وقد طغى فيها الفساد
تراكم الظلم الظلام على العباد..
الجلد للذات انتهى
تبلّدت فينا الحواس
فما يفيد سوى الجديد من الرؤى
والوليد من المحبّة والمحجّة في الوداد
أن تنطلق أصواتنا فعلا
تعبّر عن مشاعرها
بحب غامر سامته عسفا
لغة السياسة، والرئاسة، والطوائف، والتحزّب
رفع المصاحف والمتاحف، والخداع
قطف الثمار وفوقها قطع الجذور..
هل ياترى يبقى الصراع على الكراسي
المبتدا والمنتهى وبها ندور؟
هل صوت فرد قبره صندوق أوراق
وطابور من البسطاء ندعوها ونرجوها ونرشوها
لتحكمنا القشور؟
لا تقتلوا أو تجهضوا حملاً
به طفل المحبّة قد نما
لا يخاف من الدسائس والمكائد
والعوائق والصخور
حبلى بلادي..
لا تجهدوها بالصراع
أو تثخنوها بالجراح وما يدور
فصوت بنيك يا وطني
سيعلو وهو أقوى وهو أعلى وهو أغلى
وهو جسر للعبور..

 الخرطوم 31. 1. 2010
.
إقرأ المزيد Entry>>

الثلاثاء، 26 يناير 2010

دنياواتي الصغرى


وخلقت عالمي الذي أودعته سرّي..
وقلت له تكن برداً عليّ..
النار شبّت بمخزوني،
لم تسالم صفوها..
فتعذّبت روحي بما أهوى ، بمن أهوى ، وما قد أشتهيه..
ناديت ملء حنجرتي،
فجاء صدى يردّد أنني أحتاج أن أرعى عوالم لم تكن فيه..
فقلت: تكن، فكانت..
لا حرف يأويه ، ولا نغم يجاريه،
ولا نهر بكلّ الكون يجري في بواديه،
ليرضيها فترضيه..
وكنت أنا في المدّ أدفعه وأجريه..
معاني أحرفي فيه..
فلا حرف يداويه..
ولا جمل تهادنه ولا نصّ يعاديه..
ولا حين استفاق خليفتي
كانت تراتيل المحبّ توقّع الألحان عطشى كي تعي ما أدّعيه..
. نارٌ عليّ البرد،
أضحى حرفي الملتاع من قدري الذي قدّرته
فأبى يصدّق أنّني لم أحتويه..
شتّان بين أنا ، وأنا المبالي، لا أبالي
كلّ ما خطرت ببالي أستفيق وأرتجيه..
لا الشوق وحّدني
ولا واقعي المسكين يستشري بأحرفه التي تسري بأقدامٍ أبت أن تقتديه..
هاجرت في صمتي إليه فكان فييّ وكنت فيه..
وكان يسمع كلّ نبض خافق متلاحق
أو مستكين لم يعانقني ولكنّ العناق هفا إليه..
عاتبته..
كانت ملامته عليّ تؤرّق الأجفان في ليل تطاول عهده
فتجاذبتني حيرةٌ قذفت بأحلامي إلى التيه..
توحّد فييّ خالفني..
فلي نهج ، ونهجي فيه يسعده ويشقيه..
أناجيه، أسامره،
أحاكيه، أسايره، أساجله، أجاريه..
وعند هجرتي الأخيرة لم يطق صبرا،
فهاجر فييّ أضحى كلّ ما أهواه من دنياواتي الصغرى كامنا فيه..
أنا لو سألت النهر فييّ علام تجري؟
لاصطفاني نبعه من غير تحديد لأزمان وأمكنة،
وصفّق في المسار بشاطئيه..
ساحاتي المخضرّة العطشى لمن يمتدّ ناظره إلى أفقي، متحدّيا ومجاهدا فيه..
أنا لم ألم كوني الذي لم يستكن يوما يراوغ للحروف بلا عدد،
ويغيب من هول الصراع ينمّ عن رفض الأنا ممّا أناجيه، وما قد أرتجيه..
وأعتلي كلّ الروابي الخضر
مؤذّنا بالسلم فيه..
وحينما أسكنتها وأنا بها
أتجاذب المعنى ونطّرح الثرى،
نصحو قبيل الفجر، قد دارت مسارات الحياة هنا.. هناك....
أو شمسها كسفت هلال الحرف،
والنصّ مكتمل البلاغة كامن فيه..
مرهونة نفسي التي أودعتها نار المصلّى
وهي تسجد في خشوع لم يبن فيها عليه..
النار شبّت في المساحات الخرافيّة من فضاء الحبّ،
وكانت دفء كوني منتهى ما أصطفيه أنا إليه..
النار والنور المضيء لواحتي وعوالمي خضعت إليه..
كان اللهيب مطهّرا أعشاب أرضي،
ومعانقا لسمائها ، الروح استفاقت من تخاريف الزمان
ونومة الكهف الذي عطن البرود أصابني بقوافي الحرمان والتيه..
غابات كينيا في يديها أزهرت ،
صحرائي الكبرى تحدّت موتها ممّا بها وتعطّرت بمروجها،
إنسانها صاغ الحروف وسطّر الآيات ابتنى وعيا ينام على يديه..
آمنت بالله التوحّد في الأحد..
بالصوت يجتاز الحدود حروف مد غارقا فيه..
بقبائل الماساي والهوسا والقبائل لا تعد..
بقبائلي وهج الحروف بلا عدد..
مدد من الحبّ الخرافيّ اللهيب المتّقد..
يصبو يتوق إلى الأحد..
ويطلّ من كلّ الحروف الشاهقات ومن فضاءاتي عليه..
في ساعة الميلاد
كان مخاضها نصّا طليقا
على أقدامه يمشي ويزرع كلّ يوم قبلة في الأرض ،
وهج الشموس هفا إليه..
يا أبلغ الكلمات ضمّيني ،
خذيني كي أعيش سنيّ عمري
هانئا بعوالمي التي لا دمع فيها ، وأنت معي ..
لا موت فيها ..
إنها الخلد التي أعددتها لأعيش دنياواتي الصغرى أبتغي ما أبتغيه..
أرتوي ممّا هو؟
ممّ احتوى؟ ممّا هي؟
ممّا تجذّر في النفوس وما اكتسى ثوب الجمال،؟
وما تناثر في الخيال وجارت الدنيا عليه؟..
ما عشت طول العمر أكدح في الحياة
لألتقــــــــــــــــــــيه؟..
.


إقرأ المزيد Entry>>

الاثنين، 25 يناير 2010

دراسات في شعر المرأة الأفريقيّة
(7)
(صورة المرأة الأفريقيّة لدى الشعراء الأفارقة)


الشعر الأفريقي نهر دافق، وبركان متفجّر، وله سمات مميّزة ، ونكهة خاصّة، فهو شعر نابع من الغضب والقهر والأمل وحلم الخلاص.
والشاعر الأفريقي يعطينا صورة للمرأة نابعة من كيانه وجرحه الغائر، فهو الإنسان الذي عانى من القهر والعبوديّة في ظل الاستعمار، ومازال يعاني من الآثار المتبقية التي تركها الاستعمار خلفه.
في دراسة لمحمود الطهطاوي نشرت على صفحات (المجلة العربيّة) العدد 152.. كان التساؤل المطروح كيف صوّر الشعراء الزنوج المرأة؟ حيث بدأ بشاعر من موزمبيق وهو الشاعر " سلينو سانتوس" وشهرته "كالونجو" فقد لعب هذا الشاعر دورا كبيرا في حياة بلاده السياسيّة، وانتخب عام 1962 سكرتيرا عاما لجبهة تحرير موزمبيق.. يقول عن المرأة الأم:

الأم السوداء
تضع طفلها في المهد
وتنسى
أنّ حبات الذرة تموت في الأرض
وأن كرار الحزين قد فرغ بالأمس
وتحلم
تحلم بعوالم جميلة
يذهب فيها ابنها إلى المدرسة
المدرسة التي يتعلم فيها الرجال
عوالم جديدة
يستطيع ابنها أن يعيش فيها.
. كالونجو بهذا يقدم لنا صورة عن المرأة الأم المشتعلة بالأمل، فبرغم ما تعاني منه بلادها من جفاف وفقر مدقع واستغلال تام من قبل الاستعمار، إلا أنّ الأم قويّة صابرة مليئة بالأمل والتفاؤل..
والروائي " واليونجوجي" وهو أديب صدرت له ثلاث من الروايات بين عامي 1962- 1969 ، وهي "لا تبك يا طفلي" و " النهر الفاصل" و " حبّة من القمح" بالإضافة إلى المسرحيّة الشعريّة "الراهب الأسود" حيث يصوّر لنا فيها المرأة المتزوّجة، التي تعاني من فقد الزوج، ذلك الذي حصل على قدر من التعليم والثقافة فهجر قبيلته التي تعيش في دياجير الجهل، ليعيش الحياة الحضريّة في المدينة.. يقول الروائي الشاعر على لسان الزوجة:
نعم..
إنني لا أستطيع أن أعيش بدون رجل
رجل يسألني عن طعام العشاء
رجل يسألني أن أغسل ملابسه
وطفل من جسدي
طفل ينادي يا أمّي

هذه امرأة مثل أيّ امرأة تطالب بحقوقها ، تريد أن تمارس حياتها الطبيعيّة التي خلقها الله من أجلها.. ويقتنع الزوج بالعودة إلى زوجته وقبيلته وهو يقول:
يجب أن نعود إلى أرضنا
ونساعد أنفسنا
ونبني مدارسنا
نطرح قلوبنا وعقولنا لننشء أمّة
..
وهناك الطبيب الشاعر " أوجستينو نتو" والذي رغم دراسته الطب إلا أنه مارس العمل السياسي لفترة طويلة، واعتقل أكثر من مرّة، وفي نهاية المطاف عاد إلى قريته ليمارس مهنته الإنسانيّة.. يقول الطبيب الشاعر في قصيدته "الأم"
أمّاه .. علّميني
ككل أم سوداء يرحل ابنها
كيف أنتظر، وآمل
ما تعلمت أنت في أيامك المريرةلكل الحياة
قتلت ذلك الأمل المشرق في صدري
فلست أنا الذي ينتظر
بل أنا الذي ينتظر
ونحن الأمل
نحن أطفالك
نسير نحو أمنية
نستطيع أن نغذّي الحياة
عند أبنائك الباحثين عن الحياة
..
الشعر الأفريقي بعمومه متفجّر بالأمل والتفاؤل، فها هو الطبيب الشاعر يصوّر لنا المرأة الأفريقيّة الصابرة، التي تعطي لأبنائها درسا في الأمل والتفاؤل وكأنها تهمس برقّة " لا تقلقوا.. مهما طال الانتظار، فهناك أمل في الخلاص..
وهاهو الشاعر السنغالي الكبير " ليوبولد سيدار سنغور" يقول عن الأم:
افرحي يا أمّاه
فلن أبعث الريح الشرقيّة فوق هذه الصدور
كما أبعثها فوق رمال الطرق
إنك لا تسمعيني حين أسمعك
مثل أم مشغولة البال تنسى أن تضغط
- على زر البوابة..
لكن لن أمحو آثار قدمي أبي
..
رغم انشغال الأم عن ابنها، ولكن سنغور يبشرها بأنه على طريق أبيه يسير وسيكمل مسيرة النضال. وفي قصيدة له أخرى بعنوان "ليل السنين" يناجي سنغور فيها امرأة ويصف لنا برومانسيّة المكان المحيط به، ثم يعرّج فجأة إلى وطنه وزنوجته، فيطالب هذه المرأة أن تصغي إلى نبض دمه الأسود المتدفّق إلى نبض أفريقيا الغائر، إنه عاشق لوطنه المتغلغل في دمائه، ومندمجا في صفائحه الدمويّة يقول " سنغور ":
أيتها المرأة
ضعي يديك الباسمتين على جبيني
يديك اللتين تتفوقان في النعومة على الفراء
إن أشجار النخيل الشامخات تتمايل مع النسيم
يكاد حفيف سعفها لا يسمع
لا .. ولا ترنيمة الرضيع يسمع
ونحن يهدهدنا الصمت المموسق
إصغي إلى تغريده
إصغي إلى نبض دمنا القاتم
إصغي إلى نبض أفريقيا الغائر في ضباب القرى الضائعة
..
وها هو شاعر السودان " محمد المهدي مجذوب" الذي عشق امرأة زنجيّة، يصوّر لنا ما يراه في حياة هذه المرأة، يقول:
وبدت ستائر بيتها
وضّاءة بين الظلال
ورجعت أفزع للكرى
كي أستريح إلى مراح
ونهضت أسْمِعُهُ الملامة
وهو مشتعل الجراح..
.

إقرأ المزيد Entry>>

الخميس، 14 يناير 2010

وسادتي..


حين أسلمت الوسادة بعض همّي ،
واكتفيت..
كانت النجمات حولي
بعض حزمات من الضوء الذي خطف البصيرة والبصر،
ممّا رأيت..

كانت إحداهنّ أجمل من رأيت..
قلت في نفسي عساي أكون في إحدى جنان الله
يسعدني بما وعد التقاة من العباد الصالحين قد ارتقيت..
هذى تمشّط شعرها ،
كالموج تسدله ،
فيغزله الهواء مع انحناءتها،
هذي بريق بسمتها يسائلني هل أعجبتك؟ وهل رضيت..

. إحدى النجيمات التي هزّت كياني،
كان الجمال لها بتمنّعٍ يغوي،
فيشعل لهفة العشق المعمّى، فاكتويت..
لم أكترث بهواجسي ،
قالت بيانا ساحرا،:
هلاّ هويت بريق طلعتي البهيّة
واكتفيت بما وعيت من العيون الصافيات الساحرات،
أم التي أخذت تناجي عالمي الآتي
من الزمن المساجل للنصوص،
مقاربا فيما ارتأيت..
حاولت أخطو نحوها فتباعدت..
لم أعترف ،
قلت استبيحي فيّ ما شئت..
جسدي وحرفي واهتماماتي،
وأمكنتي القريبة والبعيدة ،
والزمان على اتساع مداه،
والشعر الذي أرويه،
ملاحم لا تحدّ بما احتويت..
قالت: تجمّل بالهدوء
فإنّ صوتك مسّ فيّ من الشغاف القلب ،
أهداني إليك كما رأيت وما ارتأيت..
هذي النجيمات التي حولي وصيفاتي
فرتّبهنّ كيف تشاء،
أنا لا أغار إن انحنيت أو انثنيت..
اشرب نبيذ الحبّ عتّقه الهوى
ـ قالت وسادتي التي أودعتها همّي ـ
من نهد عذراء الجنان توحّدت ألوان لوحتها،
وعش حرّا..
تسافر أينما ولّيت شطرك وجه ذاك البيت..
كم أسعدتني حين جالت فوق شعري ،
تلك الأنامل من نعومتها ارتويت..
لكنّ صوت الباب أيقظني،
فعاد الهمّ يجلدني..
ضحكت وسادتي التي فارقتها،
قالت تعال إليّ عند تجدّد الأحزان،
أمحو كلّ غبن وأتربة وأحزان تعكّر صفو يومك ما حييت..

.

إقرأ المزيد Entry>>

الاثنين، 11 يناير 2010

دراسات في شعر المرأة الأفريقيّة
(6)
(الخلاص)


ما زلنا نتواصل مع شعر المرأة الأفريقيّة ، أو الشعر النسوي الأفريقي.. والنقد الأدبي المعاصر يقسّم كتابة المرأة إلى ثلاثة أقسام:
- الأدب النسائي: وهو جميع ما تكتبه النساء.
- الأدب الأنثوي: وهو الأدب النسائي المهمّش والمقموع الذي أخرسه النظام اللغوي الاجتماعي الحاكم والسائد دون أن يشتمل بالضرورة على رفض للنسويّة.
- والأدب النسوي: وهو الملتزم برفض السلطة الذكوريّة ورفض التمييز بين الجنسين.
وكتابة المرأة الإبداعيّة بشكل عام – كما يشير بعض الدارسين – يمكن أن تتطوّر إلى خصائص وسمات ظلّت مغيّبة طوال الفترة التي انفرد فيها الرجل بكتابة النصوص الأدبيّة.. فالمرأة تتوافر على نفس الإمكانات الإبداعيّة المحتملة لدى الرجل... فعندما طرحت قضيّة المرأة في العصر الحديث – كما هو معلوم – جاء الطرح مقترنا بوعي متعدّد الأبعاد والمظاهر وهو وعي أنضجته كتابات ونضالات ذكوريّة ونسائيّة، إلا أنه دخل في منعطف حاسم عندما تولّت النساء أنفسهنّ المطالبة والتعبير والتنظيم لانتزاع الحقوق المهضومة، وتقويم الحيف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المفروض.
فالعناصر السلبيّة التي تحول دون تنظيم المجتمع تنظيما متوازنا تتمثّل في :
- الحيف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي في حقّ المرأة.
- وإبعاد المرأة عن السلطة والمشاركة في اتخاذ القرار.
- وكذلك الاحتكام إلى منطق ذكوري في المجالات الاجتماعيّة والسلوكيّة ممّا يعوق تحرير المرأة ويحول بينها وبين تحقيق النديّة والتكافؤ مع الرجل..
. وتحت ستار من أغلفة أيديولوجيّة متعدّدة ظلّ صوت المرأة مبعدا محروما من إسماع كلمتها ونقل همومها ورأيها بوصفها مواطنة تضطلع بمسؤوليات جسام داخل المجتمع.
ليس غريبا إذن أن تركز حركات الدفاع عن قضيّة المرأة على انتزاع حق الكلام لأنه وسيلة مزدوجة افضح التسلط الذكوري والمؤسساتي وأيضا لبلورة وعي يوجه نضال المرأة ويوسّع نطاق قضيّتها. لهذا قالت الكاتبة الزيمبابويّة (إيفون فيرا) متحدية هذا الحظر قائلة: " أكره الصمت، والروايات التي أكتبها تسعى إلى إنهاء حالة الصمت وعدم القدرة على التعبير التي ظلّت ترزح تحت وطأتها النساء الأفريقيّات قرونا عدّة".
ومن الأديبات اللاتي مثّلن شيئا من الفكر النسوي وشجبن قوّة التقاليد القبليّة ، وفع راية التمرّد على الرجل الشاعرة (تانيلا بوني) فهي تمثل رمزا من رموز الحركة النسويّة الأفريقيّة.. تقول في إحدى قصائد ديوانها (متاهة وذرات رمل)1993:
بلا اسم أنتِ
منذ بدء الخلق
بلا صوت
حواء أو أيّ شيء
أيتها اللا ذكر
لا وجود لك
إلا باسم رجل
يعيرك اسمه الإلهي
إغراء جنّة عدن
الحيّة الملعونة
ضلع الرجل أو أيّ شيء آخر
لسان ثعبان
تبتلعين بؤسك
غمرتك السعادةُ
في غياهب شقاوتك
يا غير ذكر..

ومع كلّ ذلك فهي شاعرة روائيّة غزيرة الإنتاج، قديرة، أثبتت وجودها في الساحة العالميّة، وفي الأوساط الفرانكفونيّة في فرنسا وكندا وغيرها..
كما أنّ أوّل ظهور للشعر النسوي المعاصر في غرب أفريقيا يعود إلى الشاعرة (أنوما كلني) من كوت ديفوار 1952. غير أنّ الانطلاقة الحقيقيّة لإيقاعات الشعر النسوي تعزى إلى رائدة الأدب الشاعرة السنغاليّة (آنيت مْباي دي نيرفيل) في قصائدها (مياه نهر كوموي النسوي السنغالي) وفي ديوانها الشعري الأوّل: (قصائد أفريقيا ) 1965. فهي تشيد في تلك القصائد بأفريقيا وتقاليدها وقيمها، وتحث شعوب أفريقيا الحديثة العهد بالاستقلال على العمل والسعي الحثيث نحو التقدّم:

ألستُ أنا ديالي؟ " وديالي رواية شعبيّة"
معلّمة الكورا " والكورا آلة غنائيّة"
ألست أنا قوّالة
حارسة الكلمات السحريّة...

وبعد أن تثبت أحقيتها وجدارتها بفن القول وتحتكر لنفسها حقوق التحدث باسم شعبها تقول:

تشدّ النساء وسطهنّ
وفي أيديهنّ (خشبة) المطحنة الثقيلة
يحاكي نبها الإيقاع الثابت
للدول التي قامت
طاما، جورُنْغ، دية دونغ " وهي طبول شعبيّة"
تقول للرياح الأربعة
إنّ أفريقيا قد قامت
وهي تمشي نحو النور..

والميزة عند هذه الشاعرة استلهام المظاهر الثقافيّة الأفريقيّة، وتوظيفها توظيفا رمزيّا دقيقا يطوّعها للمواقف والظروف الراهنة، فهي تربط ربطا محكما بين إيقاعات خشبة الطحن في أيدي النساء، وأصوات الطبول الأفريقيّة، وكأنّ أفريقيا تدبّ على تلك الإيقاعات المتآلفة نحو التقدّم والازدهار..

إنّ الكتابة النسويّة في أفريقيا لم تنحصر في الموضوعات ذات العلاقة بالمرأة بل كان لها حضور متميّز في القضايا السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة. فهناك الكثير من الشاعرات والروائيات اللاتي أقضضن مضاجع الكيانات الاستعماريّة والحكومات..

إنّ الفن النسوي – بشكل عام- كما تقول الناقدة النسويّة الأمريكيّة " ليس رافدا دقيقا يصب في النهر العظيم للفن الحقيقي، إنه ليس صدعا في حجر كريم، ما كانت لتشوبه شائبة لولاه.. إنه وعلى نحو مذهل فن لا يعتمد على إخضاع نصف الجنس البشري، فن سوف يتناول المواضيع الإنسانيّة الكبرى : الحب والموت والبطولة والمعاناة بل والتاريخ ذاته ليحيلها إلى مواضيع إنسانيّة بالكامل..

.

إقرأ المزيد Entry>>

الثلاثاء، 5 يناير 2010


دراسات في شعر المرأة الأفريقيّة


(5)
في مجتمع تسود فيه بنية الوعي التناسلي ونتيجة انخفاض الرعاية الصحيّة، ومجابهة النقص في التعداد السكاني يصبح الهاجس هو التكاثر والإنجاب، ولكن الذي يدفع ضريبة هذا التناسل هو المرأة التي يقع على عاتقها الحمل والإنجاب بما فيهما من معاناة وخوف وآلام وتوتّر وقلق إضافة إلى التربية والرعاية للأبناء وللزوج، ورغم كل ذلك يقلّل المجتمع الذكوري من شأن المرأة ويحدد لها وظيفتها ودورها ومهامها التي عليها إنجازها دون أن يكافئها بالتقدير والاحترام اللازمين ناهيك عن الاعتزاز والمحبّة الكبيرة التي تستحق. كما أنه غير مسموح لها بالحديث في كل شيء ، حيث فرض الصمت عليها وفق التقاليد المرعيّة في المجتمع..
إلا أنّ المرأة الأفريقيّة وبمجرد امتلاك أداة التعبير حتى تحدثت في كل شيء وعن كل شيء معبرة عن ذاتها وعن معاناتها وآلامها وقضاياها عن طريق الرواية والقصة القصيرة والشعر والرسم والموسيقى وكل الفنون الإبداعيّة التي سمحت لها بتجسيد مشاعرها وأحاسيسها والتعبير عن أفكارها ورؤاها رغم كل التحديات قبلت المرأة الأفريقيّة التحدّي وقدّمت استجابتها لهذا التحدّي بفاعليّة كبيرة.
. والشاعرة (أنجرود جونكر) من جنوب أفريقيا والتي عاشت في الفترة من(1933- 1965) بدأت في كتابة الشعر وهي طفلة. وفي سن السادسة عشرة حاولت نشر أوّل مسوّدة لها، لكنها رفضت. في عام 1956 نشرت ديوانها(هروب) ثمّ ألحقته ب(دخان ومغرة) الفائز بجائزة "أفريكاني برس ـ جوهانسبرج" في عام 1963 والذي أرساها كواحدة من أكثر الشعراء في جنوب أفريقيا أصالة وذكاء. نشر أصدقاؤها جاك كوب وويليام بلومر مجلة بعد وفاتها لقصائدها بعنوان (شمس عارية) 1966، كما جمعوا النسخ الانجليزيّة لقصائدها التي أعدّتها ونشرت بعنوان (قصائد مختارة)1968.. كما أن لها من الإبداع أعمال أخرى تشمل "الماعز وقصص أخرى، ومسرحيّة وأين أمام قلبي" وظهرت قصائدها في عدد من المقتطفات مثل " الصوت الآخر: شعر نساء القرن العشرين" نيويورك 1976.، وكذا كتاب بنجوين عن الشاعرات، وكتاب بنجوين لشعر جنوب أفريقيا، ومقتطفات لونجمان للأدب العالمي للنساء (1875- 1975)، كما أنّ معظم كتاباتها نشرت في (أعمال مجمّعة) 1975.
تقول في قصيدة لها بعنوان (امرأة حامل):
أرقد تحت قشرة الليل مغنّية
متكوّرة،
وطفل دمي يرقد في الماء..
ألعب كطفلة
ألعب سعيدة
أنظر حيث حشرة النار تومض
قرص القمر، خنزير مبتلّ يرتجف
لكن مع الصباح،
القابلة العرجاء،
شاحبة ومرتعدة على التلال المنحدرة
أدفعك إلى الخارج عبر القشرة إلى ضوء النهار،
أيّتها البومة الحزينة، بومة ضوء النهار العظيمة
متحررا من رحمي لكن ملوّثا
ملطخا تماما بدموعي
وملوّثاً بالحزن
أرقد مرتعشة، مغنية
ماذا غير ارتعاش
مع طفل دمي تحت مائك....؟
ألعب .. إنني سعيدة
أنظر حيث حشرة النار تومض
قرص القمر، خنزير مبتل يرتجف
لكن مع الصباح، القابلة العرجاء،
شاحبة ومرتعدة على التلال المنحدرة
أدفعك إلى الخارج عبر القشرة إلى ضوء النهار،
متحرّراً من رحمي لكن ملوّثاً
ملطّخاً تماماً بدموعي
وملوّثاً بالحزن..
أرقد مرتعشة، مغنية
ماذا غير ارتعاش
مع طفل دمي تحت مائك...؟

بما أنّ المرأة عموما إحدى ركائز المجتمع بل نصف المجتمع، حيث تسعى المجتمعات التي نالت قدراً من الوعي والتعلّم وفكّت أسر الجهل والتخلّف إلى إحداث المعادلة بينها والرجل من أجل معركة التنمية أو إحداث نوع من العدالة.. إلاّ أنّ المرأة الأفريقيّة شرعت في انتزاع حقّها في الحياة بجرأة أذهلت الجميع، فمع كونها تسهم بشكل كبير في الاقتصاد بحكم مشاركتها ، بل وقيامها بالعمل حتى الشاق منه سواء في الرعي أو الزراعة أو جلب الماء أو حلب الماشية إضافة إلى المهام الأخرى الملقاة على عاتقها بحكم طبيعتها من حمل وإنجاب وتربية، وخدمة للزوج والاعتناء بالمنزل وطهي الطعام إلى غير ذلك من الأعباء.. إلاّ أن مجتمعها رغم ذلك وبحكم بدائيّته يعتمد القوّة البدنيّة، لذا يرفع من شأن الرجل عاليا دون اعتبار للإنسان فيها.
هذا ما جعل (شاكونتالا هاولدار) وغيرها ممّن امتلكن أداة التعبير يجسّدن هذا الظلم والإجحاف الواقع عليهنّ، فها هي شاعرتنا (كريستينا دنجانو) من زيمبابوي والمولودة في 28 فبراير 1963 والحاصلة على دبلوم في علوم الحاسب الآلي في بريطانيا، عادت لتعمل لدى مركز علوم الحاسب الآلي في هراري، ثم نشرت ديوانا لقصائدها(عاصفة تتجمّع) عام 1984 تقول في قصيدة بعنوان(المرأة):
منذ دقيقة جئت من البئر
حيث نساء شابات مثلي يسحبن المياه
جسدي كان كئيبا وقلبي مرهقا.
لدقيقة شاهدت الجدول يجري أمامي
وفكرت كم هي منعشة رائحة الأزهار،
كم هي يانعة الأعشاب حوله،
ومرة أخرى أيضا سمعت صوت الواجب
الذي يجثم عليّ – جعلني أشعر بالعجز
بينما أحمل الإناء الصلصالي الكبير على رأسي
مثل مظلّة مؤلمة كبيرة عظيمة.
ثمّ وصلت البيت وطبخت طعامك
لأنّك كنت بالخارج تحتسي متع الدنيا
بينما أكدحُ في الحقول
تحت اليقظة الغاضبة للشمس

في كل الجبهات أضحت المرأة الأفريقيّة تقاتل وتزود عن حياضها لتثبت كيانها كإنسان أولا ثمّ كأنثى ثانيا وكإفريقيّة عليها أن تدافع عن وطنها وقارتها ثالثا. لكن صورة المرأة الأفريقيّة رسمتها عدد من الشاعرات ليعلنّ كم هي كافحت وناضلت وخدمت الزوج والابن والأب والجد، وماهوبرنامجها اليومي منذ الصباح على مدى عمرها .
ها هي (مارينا جاش) من (كينيا) والتي عملت معلّمة ، إضافة لكونها مؤلفة روايات مسرحيّة وشاعرة درست في جامعة ماكيرير ، كامبالا- أوغندا. وقد فازت مسرحيتها الأولى"الندب" في 1960 بجائزة المهرجان الدرامي في المسرح الوطني في كامبالا. متزوجة من رسّام تنزاني شهير اليمونجو.. تصف لنا (مارينا) مشهد المرأة الأفريقيّة في قصيدة لها بعنوان (القرية) فتقول:
كانياريري، قرية الكدح،
قرية العمل اللانهائي.
مثل نبع لا يجفّ أبدا،
نساء عجوزات سود ومنحنيات
يمشين بجهد مع مجارفهنّ
ليفرزن الذرة المحاطة بالأعشاب الضارّة.
زوجات شابات مع حمير
من وقت صياح الديك إلى غروب الشمس
يقمن بواجباتهنّ الدائمة،
هياكلهنّ الضامرة مثل أقواس مصفوفة في صف،
يمشين بتثاقل جيئة وذهابا في مزارع القرية الدائريّة
بأحمال على ظهورهنّ
وأطفال مربوطين لبطونهنّ
في الحقول طول اليوم يكدحن
يمزجن التربة بالأيادي والسكاكين
مثل دجاجات تبحث عن ديدان
لا شيء هنا يبدو ساكنا
حتى كنيسة القرية مثل بئر أثير
حيث"الإحيائيون" بمكبراتهم الصوتية
لا يكفون أبدا عن دعوة الناس
للاعتراف بأخطائهم والشرب من ماء الحياة.
عند المغيب يذهب الرجال تاركين معشر النساء
ليَعُلْنَ المعزات العجاف والأطفال المنتحبة
..
.

إقرأ المزيد Entry>>