الاثنين، 11 يناير 2010

دراسات في شعر المرأة الأفريقيّة
(6)
(الخلاص)


ما زلنا نتواصل مع شعر المرأة الأفريقيّة ، أو الشعر النسوي الأفريقي.. والنقد الأدبي المعاصر يقسّم كتابة المرأة إلى ثلاثة أقسام:
- الأدب النسائي: وهو جميع ما تكتبه النساء.
- الأدب الأنثوي: وهو الأدب النسائي المهمّش والمقموع الذي أخرسه النظام اللغوي الاجتماعي الحاكم والسائد دون أن يشتمل بالضرورة على رفض للنسويّة.
- والأدب النسوي: وهو الملتزم برفض السلطة الذكوريّة ورفض التمييز بين الجنسين.
وكتابة المرأة الإبداعيّة بشكل عام – كما يشير بعض الدارسين – يمكن أن تتطوّر إلى خصائص وسمات ظلّت مغيّبة طوال الفترة التي انفرد فيها الرجل بكتابة النصوص الأدبيّة.. فالمرأة تتوافر على نفس الإمكانات الإبداعيّة المحتملة لدى الرجل... فعندما طرحت قضيّة المرأة في العصر الحديث – كما هو معلوم – جاء الطرح مقترنا بوعي متعدّد الأبعاد والمظاهر وهو وعي أنضجته كتابات ونضالات ذكوريّة ونسائيّة، إلا أنه دخل في منعطف حاسم عندما تولّت النساء أنفسهنّ المطالبة والتعبير والتنظيم لانتزاع الحقوق المهضومة، وتقويم الحيف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المفروض.
فالعناصر السلبيّة التي تحول دون تنظيم المجتمع تنظيما متوازنا تتمثّل في :
- الحيف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي في حقّ المرأة.
- وإبعاد المرأة عن السلطة والمشاركة في اتخاذ القرار.
- وكذلك الاحتكام إلى منطق ذكوري في المجالات الاجتماعيّة والسلوكيّة ممّا يعوق تحرير المرأة ويحول بينها وبين تحقيق النديّة والتكافؤ مع الرجل..
. وتحت ستار من أغلفة أيديولوجيّة متعدّدة ظلّ صوت المرأة مبعدا محروما من إسماع كلمتها ونقل همومها ورأيها بوصفها مواطنة تضطلع بمسؤوليات جسام داخل المجتمع.
ليس غريبا إذن أن تركز حركات الدفاع عن قضيّة المرأة على انتزاع حق الكلام لأنه وسيلة مزدوجة افضح التسلط الذكوري والمؤسساتي وأيضا لبلورة وعي يوجه نضال المرأة ويوسّع نطاق قضيّتها. لهذا قالت الكاتبة الزيمبابويّة (إيفون فيرا) متحدية هذا الحظر قائلة: " أكره الصمت، والروايات التي أكتبها تسعى إلى إنهاء حالة الصمت وعدم القدرة على التعبير التي ظلّت ترزح تحت وطأتها النساء الأفريقيّات قرونا عدّة".
ومن الأديبات اللاتي مثّلن شيئا من الفكر النسوي وشجبن قوّة التقاليد القبليّة ، وفع راية التمرّد على الرجل الشاعرة (تانيلا بوني) فهي تمثل رمزا من رموز الحركة النسويّة الأفريقيّة.. تقول في إحدى قصائد ديوانها (متاهة وذرات رمل)1993:
بلا اسم أنتِ
منذ بدء الخلق
بلا صوت
حواء أو أيّ شيء
أيتها اللا ذكر
لا وجود لك
إلا باسم رجل
يعيرك اسمه الإلهي
إغراء جنّة عدن
الحيّة الملعونة
ضلع الرجل أو أيّ شيء آخر
لسان ثعبان
تبتلعين بؤسك
غمرتك السعادةُ
في غياهب شقاوتك
يا غير ذكر..

ومع كلّ ذلك فهي شاعرة روائيّة غزيرة الإنتاج، قديرة، أثبتت وجودها في الساحة العالميّة، وفي الأوساط الفرانكفونيّة في فرنسا وكندا وغيرها..
كما أنّ أوّل ظهور للشعر النسوي المعاصر في غرب أفريقيا يعود إلى الشاعرة (أنوما كلني) من كوت ديفوار 1952. غير أنّ الانطلاقة الحقيقيّة لإيقاعات الشعر النسوي تعزى إلى رائدة الأدب الشاعرة السنغاليّة (آنيت مْباي دي نيرفيل) في قصائدها (مياه نهر كوموي النسوي السنغالي) وفي ديوانها الشعري الأوّل: (قصائد أفريقيا ) 1965. فهي تشيد في تلك القصائد بأفريقيا وتقاليدها وقيمها، وتحث شعوب أفريقيا الحديثة العهد بالاستقلال على العمل والسعي الحثيث نحو التقدّم:

ألستُ أنا ديالي؟ " وديالي رواية شعبيّة"
معلّمة الكورا " والكورا آلة غنائيّة"
ألست أنا قوّالة
حارسة الكلمات السحريّة...

وبعد أن تثبت أحقيتها وجدارتها بفن القول وتحتكر لنفسها حقوق التحدث باسم شعبها تقول:

تشدّ النساء وسطهنّ
وفي أيديهنّ (خشبة) المطحنة الثقيلة
يحاكي نبها الإيقاع الثابت
للدول التي قامت
طاما، جورُنْغ، دية دونغ " وهي طبول شعبيّة"
تقول للرياح الأربعة
إنّ أفريقيا قد قامت
وهي تمشي نحو النور..

والميزة عند هذه الشاعرة استلهام المظاهر الثقافيّة الأفريقيّة، وتوظيفها توظيفا رمزيّا دقيقا يطوّعها للمواقف والظروف الراهنة، فهي تربط ربطا محكما بين إيقاعات خشبة الطحن في أيدي النساء، وأصوات الطبول الأفريقيّة، وكأنّ أفريقيا تدبّ على تلك الإيقاعات المتآلفة نحو التقدّم والازدهار..

إنّ الكتابة النسويّة في أفريقيا لم تنحصر في الموضوعات ذات العلاقة بالمرأة بل كان لها حضور متميّز في القضايا السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة. فهناك الكثير من الشاعرات والروائيات اللاتي أقضضن مضاجع الكيانات الاستعماريّة والحكومات..

إنّ الفن النسوي – بشكل عام- كما تقول الناقدة النسويّة الأمريكيّة " ليس رافدا دقيقا يصب في النهر العظيم للفن الحقيقي، إنه ليس صدعا في حجر كريم، ما كانت لتشوبه شائبة لولاه.. إنه وعلى نحو مذهل فن لا يعتمد على إخضاع نصف الجنس البشري، فن سوف يتناول المواضيع الإنسانيّة الكبرى : الحب والموت والبطولة والمعاناة بل والتاريخ ذاته ليحيلها إلى مواضيع إنسانيّة بالكامل..

.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق