الاثنين، 25 يناير 2010

دراسات في شعر المرأة الأفريقيّة
(7)
(صورة المرأة الأفريقيّة لدى الشعراء الأفارقة)


الشعر الأفريقي نهر دافق، وبركان متفجّر، وله سمات مميّزة ، ونكهة خاصّة، فهو شعر نابع من الغضب والقهر والأمل وحلم الخلاص.
والشاعر الأفريقي يعطينا صورة للمرأة نابعة من كيانه وجرحه الغائر، فهو الإنسان الذي عانى من القهر والعبوديّة في ظل الاستعمار، ومازال يعاني من الآثار المتبقية التي تركها الاستعمار خلفه.
في دراسة لمحمود الطهطاوي نشرت على صفحات (المجلة العربيّة) العدد 152.. كان التساؤل المطروح كيف صوّر الشعراء الزنوج المرأة؟ حيث بدأ بشاعر من موزمبيق وهو الشاعر " سلينو سانتوس" وشهرته "كالونجو" فقد لعب هذا الشاعر دورا كبيرا في حياة بلاده السياسيّة، وانتخب عام 1962 سكرتيرا عاما لجبهة تحرير موزمبيق.. يقول عن المرأة الأم:

الأم السوداء
تضع طفلها في المهد
وتنسى
أنّ حبات الذرة تموت في الأرض
وأن كرار الحزين قد فرغ بالأمس
وتحلم
تحلم بعوالم جميلة
يذهب فيها ابنها إلى المدرسة
المدرسة التي يتعلم فيها الرجال
عوالم جديدة
يستطيع ابنها أن يعيش فيها.
. كالونجو بهذا يقدم لنا صورة عن المرأة الأم المشتعلة بالأمل، فبرغم ما تعاني منه بلادها من جفاف وفقر مدقع واستغلال تام من قبل الاستعمار، إلا أنّ الأم قويّة صابرة مليئة بالأمل والتفاؤل..
والروائي " واليونجوجي" وهو أديب صدرت له ثلاث من الروايات بين عامي 1962- 1969 ، وهي "لا تبك يا طفلي" و " النهر الفاصل" و " حبّة من القمح" بالإضافة إلى المسرحيّة الشعريّة "الراهب الأسود" حيث يصوّر لنا فيها المرأة المتزوّجة، التي تعاني من فقد الزوج، ذلك الذي حصل على قدر من التعليم والثقافة فهجر قبيلته التي تعيش في دياجير الجهل، ليعيش الحياة الحضريّة في المدينة.. يقول الروائي الشاعر على لسان الزوجة:
نعم..
إنني لا أستطيع أن أعيش بدون رجل
رجل يسألني عن طعام العشاء
رجل يسألني أن أغسل ملابسه
وطفل من جسدي
طفل ينادي يا أمّي

هذه امرأة مثل أيّ امرأة تطالب بحقوقها ، تريد أن تمارس حياتها الطبيعيّة التي خلقها الله من أجلها.. ويقتنع الزوج بالعودة إلى زوجته وقبيلته وهو يقول:
يجب أن نعود إلى أرضنا
ونساعد أنفسنا
ونبني مدارسنا
نطرح قلوبنا وعقولنا لننشء أمّة
..
وهناك الطبيب الشاعر " أوجستينو نتو" والذي رغم دراسته الطب إلا أنه مارس العمل السياسي لفترة طويلة، واعتقل أكثر من مرّة، وفي نهاية المطاف عاد إلى قريته ليمارس مهنته الإنسانيّة.. يقول الطبيب الشاعر في قصيدته "الأم"
أمّاه .. علّميني
ككل أم سوداء يرحل ابنها
كيف أنتظر، وآمل
ما تعلمت أنت في أيامك المريرةلكل الحياة
قتلت ذلك الأمل المشرق في صدري
فلست أنا الذي ينتظر
بل أنا الذي ينتظر
ونحن الأمل
نحن أطفالك
نسير نحو أمنية
نستطيع أن نغذّي الحياة
عند أبنائك الباحثين عن الحياة
..
الشعر الأفريقي بعمومه متفجّر بالأمل والتفاؤل، فها هو الطبيب الشاعر يصوّر لنا المرأة الأفريقيّة الصابرة، التي تعطي لأبنائها درسا في الأمل والتفاؤل وكأنها تهمس برقّة " لا تقلقوا.. مهما طال الانتظار، فهناك أمل في الخلاص..
وهاهو الشاعر السنغالي الكبير " ليوبولد سيدار سنغور" يقول عن الأم:
افرحي يا أمّاه
فلن أبعث الريح الشرقيّة فوق هذه الصدور
كما أبعثها فوق رمال الطرق
إنك لا تسمعيني حين أسمعك
مثل أم مشغولة البال تنسى أن تضغط
- على زر البوابة..
لكن لن أمحو آثار قدمي أبي
..
رغم انشغال الأم عن ابنها، ولكن سنغور يبشرها بأنه على طريق أبيه يسير وسيكمل مسيرة النضال. وفي قصيدة له أخرى بعنوان "ليل السنين" يناجي سنغور فيها امرأة ويصف لنا برومانسيّة المكان المحيط به، ثم يعرّج فجأة إلى وطنه وزنوجته، فيطالب هذه المرأة أن تصغي إلى نبض دمه الأسود المتدفّق إلى نبض أفريقيا الغائر، إنه عاشق لوطنه المتغلغل في دمائه، ومندمجا في صفائحه الدمويّة يقول " سنغور ":
أيتها المرأة
ضعي يديك الباسمتين على جبيني
يديك اللتين تتفوقان في النعومة على الفراء
إن أشجار النخيل الشامخات تتمايل مع النسيم
يكاد حفيف سعفها لا يسمع
لا .. ولا ترنيمة الرضيع يسمع
ونحن يهدهدنا الصمت المموسق
إصغي إلى تغريده
إصغي إلى نبض دمنا القاتم
إصغي إلى نبض أفريقيا الغائر في ضباب القرى الضائعة
..
وها هو شاعر السودان " محمد المهدي مجذوب" الذي عشق امرأة زنجيّة، يصوّر لنا ما يراه في حياة هذه المرأة، يقول:
وبدت ستائر بيتها
وضّاءة بين الظلال
ورجعت أفزع للكرى
كي أستريح إلى مراح
ونهضت أسْمِعُهُ الملامة
وهو مشتعل الجراح..
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق