الثلاثاء، 5 يناير 2010


دراسات في شعر المرأة الأفريقيّة


(5)
في مجتمع تسود فيه بنية الوعي التناسلي ونتيجة انخفاض الرعاية الصحيّة، ومجابهة النقص في التعداد السكاني يصبح الهاجس هو التكاثر والإنجاب، ولكن الذي يدفع ضريبة هذا التناسل هو المرأة التي يقع على عاتقها الحمل والإنجاب بما فيهما من معاناة وخوف وآلام وتوتّر وقلق إضافة إلى التربية والرعاية للأبناء وللزوج، ورغم كل ذلك يقلّل المجتمع الذكوري من شأن المرأة ويحدد لها وظيفتها ودورها ومهامها التي عليها إنجازها دون أن يكافئها بالتقدير والاحترام اللازمين ناهيك عن الاعتزاز والمحبّة الكبيرة التي تستحق. كما أنه غير مسموح لها بالحديث في كل شيء ، حيث فرض الصمت عليها وفق التقاليد المرعيّة في المجتمع..
إلا أنّ المرأة الأفريقيّة وبمجرد امتلاك أداة التعبير حتى تحدثت في كل شيء وعن كل شيء معبرة عن ذاتها وعن معاناتها وآلامها وقضاياها عن طريق الرواية والقصة القصيرة والشعر والرسم والموسيقى وكل الفنون الإبداعيّة التي سمحت لها بتجسيد مشاعرها وأحاسيسها والتعبير عن أفكارها ورؤاها رغم كل التحديات قبلت المرأة الأفريقيّة التحدّي وقدّمت استجابتها لهذا التحدّي بفاعليّة كبيرة.
. والشاعرة (أنجرود جونكر) من جنوب أفريقيا والتي عاشت في الفترة من(1933- 1965) بدأت في كتابة الشعر وهي طفلة. وفي سن السادسة عشرة حاولت نشر أوّل مسوّدة لها، لكنها رفضت. في عام 1956 نشرت ديوانها(هروب) ثمّ ألحقته ب(دخان ومغرة) الفائز بجائزة "أفريكاني برس ـ جوهانسبرج" في عام 1963 والذي أرساها كواحدة من أكثر الشعراء في جنوب أفريقيا أصالة وذكاء. نشر أصدقاؤها جاك كوب وويليام بلومر مجلة بعد وفاتها لقصائدها بعنوان (شمس عارية) 1966، كما جمعوا النسخ الانجليزيّة لقصائدها التي أعدّتها ونشرت بعنوان (قصائد مختارة)1968.. كما أن لها من الإبداع أعمال أخرى تشمل "الماعز وقصص أخرى، ومسرحيّة وأين أمام قلبي" وظهرت قصائدها في عدد من المقتطفات مثل " الصوت الآخر: شعر نساء القرن العشرين" نيويورك 1976.، وكذا كتاب بنجوين عن الشاعرات، وكتاب بنجوين لشعر جنوب أفريقيا، ومقتطفات لونجمان للأدب العالمي للنساء (1875- 1975)، كما أنّ معظم كتاباتها نشرت في (أعمال مجمّعة) 1975.
تقول في قصيدة لها بعنوان (امرأة حامل):
أرقد تحت قشرة الليل مغنّية
متكوّرة،
وطفل دمي يرقد في الماء..
ألعب كطفلة
ألعب سعيدة
أنظر حيث حشرة النار تومض
قرص القمر، خنزير مبتلّ يرتجف
لكن مع الصباح،
القابلة العرجاء،
شاحبة ومرتعدة على التلال المنحدرة
أدفعك إلى الخارج عبر القشرة إلى ضوء النهار،
أيّتها البومة الحزينة، بومة ضوء النهار العظيمة
متحررا من رحمي لكن ملوّثا
ملطخا تماما بدموعي
وملوّثاً بالحزن
أرقد مرتعشة، مغنية
ماذا غير ارتعاش
مع طفل دمي تحت مائك....؟
ألعب .. إنني سعيدة
أنظر حيث حشرة النار تومض
قرص القمر، خنزير مبتل يرتجف
لكن مع الصباح، القابلة العرجاء،
شاحبة ومرتعدة على التلال المنحدرة
أدفعك إلى الخارج عبر القشرة إلى ضوء النهار،
متحرّراً من رحمي لكن ملوّثاً
ملطّخاً تماماً بدموعي
وملوّثاً بالحزن..
أرقد مرتعشة، مغنية
ماذا غير ارتعاش
مع طفل دمي تحت مائك...؟

بما أنّ المرأة عموما إحدى ركائز المجتمع بل نصف المجتمع، حيث تسعى المجتمعات التي نالت قدراً من الوعي والتعلّم وفكّت أسر الجهل والتخلّف إلى إحداث المعادلة بينها والرجل من أجل معركة التنمية أو إحداث نوع من العدالة.. إلاّ أنّ المرأة الأفريقيّة شرعت في انتزاع حقّها في الحياة بجرأة أذهلت الجميع، فمع كونها تسهم بشكل كبير في الاقتصاد بحكم مشاركتها ، بل وقيامها بالعمل حتى الشاق منه سواء في الرعي أو الزراعة أو جلب الماء أو حلب الماشية إضافة إلى المهام الأخرى الملقاة على عاتقها بحكم طبيعتها من حمل وإنجاب وتربية، وخدمة للزوج والاعتناء بالمنزل وطهي الطعام إلى غير ذلك من الأعباء.. إلاّ أن مجتمعها رغم ذلك وبحكم بدائيّته يعتمد القوّة البدنيّة، لذا يرفع من شأن الرجل عاليا دون اعتبار للإنسان فيها.
هذا ما جعل (شاكونتالا هاولدار) وغيرها ممّن امتلكن أداة التعبير يجسّدن هذا الظلم والإجحاف الواقع عليهنّ، فها هي شاعرتنا (كريستينا دنجانو) من زيمبابوي والمولودة في 28 فبراير 1963 والحاصلة على دبلوم في علوم الحاسب الآلي في بريطانيا، عادت لتعمل لدى مركز علوم الحاسب الآلي في هراري، ثم نشرت ديوانا لقصائدها(عاصفة تتجمّع) عام 1984 تقول في قصيدة بعنوان(المرأة):
منذ دقيقة جئت من البئر
حيث نساء شابات مثلي يسحبن المياه
جسدي كان كئيبا وقلبي مرهقا.
لدقيقة شاهدت الجدول يجري أمامي
وفكرت كم هي منعشة رائحة الأزهار،
كم هي يانعة الأعشاب حوله،
ومرة أخرى أيضا سمعت صوت الواجب
الذي يجثم عليّ – جعلني أشعر بالعجز
بينما أحمل الإناء الصلصالي الكبير على رأسي
مثل مظلّة مؤلمة كبيرة عظيمة.
ثمّ وصلت البيت وطبخت طعامك
لأنّك كنت بالخارج تحتسي متع الدنيا
بينما أكدحُ في الحقول
تحت اليقظة الغاضبة للشمس

في كل الجبهات أضحت المرأة الأفريقيّة تقاتل وتزود عن حياضها لتثبت كيانها كإنسان أولا ثمّ كأنثى ثانيا وكإفريقيّة عليها أن تدافع عن وطنها وقارتها ثالثا. لكن صورة المرأة الأفريقيّة رسمتها عدد من الشاعرات ليعلنّ كم هي كافحت وناضلت وخدمت الزوج والابن والأب والجد، وماهوبرنامجها اليومي منذ الصباح على مدى عمرها .
ها هي (مارينا جاش) من (كينيا) والتي عملت معلّمة ، إضافة لكونها مؤلفة روايات مسرحيّة وشاعرة درست في جامعة ماكيرير ، كامبالا- أوغندا. وقد فازت مسرحيتها الأولى"الندب" في 1960 بجائزة المهرجان الدرامي في المسرح الوطني في كامبالا. متزوجة من رسّام تنزاني شهير اليمونجو.. تصف لنا (مارينا) مشهد المرأة الأفريقيّة في قصيدة لها بعنوان (القرية) فتقول:
كانياريري، قرية الكدح،
قرية العمل اللانهائي.
مثل نبع لا يجفّ أبدا،
نساء عجوزات سود ومنحنيات
يمشين بجهد مع مجارفهنّ
ليفرزن الذرة المحاطة بالأعشاب الضارّة.
زوجات شابات مع حمير
من وقت صياح الديك إلى غروب الشمس
يقمن بواجباتهنّ الدائمة،
هياكلهنّ الضامرة مثل أقواس مصفوفة في صف،
يمشين بتثاقل جيئة وذهابا في مزارع القرية الدائريّة
بأحمال على ظهورهنّ
وأطفال مربوطين لبطونهنّ
في الحقول طول اليوم يكدحن
يمزجن التربة بالأيادي والسكاكين
مثل دجاجات تبحث عن ديدان
لا شيء هنا يبدو ساكنا
حتى كنيسة القرية مثل بئر أثير
حيث"الإحيائيون" بمكبراتهم الصوتية
لا يكفون أبدا عن دعوة الناس
للاعتراف بأخطائهم والشرب من ماء الحياة.
عند المغيب يذهب الرجال تاركين معشر النساء
ليَعُلْنَ المعزات العجاف والأطفال المنتحبة
..
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق