لقاء مع شاعر:
وطني شجني.. لغتي سكني
روح الحرف بغير سكون،
فيك ولدتُ،
وفيك نشأتُ،
وفيك أكون..
صحيفة (قاريونس الاثنين 21 ذو الحجّة الموافق 28 الطير(أبريل)1426م(1997ف)
أجرى الحوار: محمد علي مصطفى، كليّة الاقتصاد، قسم الإدارة
عبدالرؤوف بابكر السيّد.. شاعر وطنيّ حفر اسمه بجدارة بين أسماء شعراء الوطن العربي، ولد بالسودان عام 1944ف ودرس بها حتى تحصّل على شهادة التخصّص العالي في الآداب من جامعة القاهرة فرع الخرطوم عام 1972ف........
له عدّة أعمال منها كتابه المدارس العروضيّة في الشعر العربي، وكتابه السودان الثورة من النفق إلى الأفق.. ووتريّته الشهيرة الهاجس والحرف عام 1988 وديوانه الأخير وهو بعنوان الدموع المحال، والصادر عن الدار الجماهيريّة للنشر والتوزيع والإعلان.. نال وسام الفاتح العظيم في الإبداع من الدرجة الأولى عام 1989 وهو الآن عضو هيأة تدريس بقسم اللغة العربيّة بكليّة الآداب جامعة التحدّي.. التقته صحيفة قاريونس في سرت حيث كان أحد أعضاء لجنة التحكيم بالمسابقة الفكريّة الأدبيّة العلميّة الفنيّة السادسة التي أقيمت بجامعة التحدّي فكان هذا الحوار:
. هل يمكن للشاعر عبدالرؤوف بابكر السيّد أن يبدأ بتعريف نفسه للقرّاء؟
- عبد الرؤوف بابكر السيّد في سطور موجود في الديوان الأخير"الدموع المحال" وهو ببساطة حرف من الحروف المشكلة للكلمة العربيّة.. وأتمنّى أن تكون هناك صلة بيني وبين الآخرين عبر الكلمة، كما أتمنّى أن أكون قد وصلت إليهم عن طريق اختراق الذات الفرديّة إلى ذات الجموع.
إهداؤك ديوانك الأخير "الدموع المحال" لخّصته للقوافل القادمة وذلك حتّى لا يأسرهم الفعل الناقص كان.. هل نعتبر أنك فقدت الثقة في الأجيال المعاصرة:
- لا .. ولكنّي آمل ألاّ يأسرهم الفعل الناقص كان.. فهو فعل ماض ناقص.. ونحن نتشبّث به دائما.. ودائما ما نقول كنّا.. ونجرّ ونسترجع أمجاد الماضي ، ولكنّي أعتقد أنّ الفتى من يقول هاأنذا.. ليس الفتى من يقول كان أبي.. عليه وعلى هذا الجيل ألاّ يأسرهم الماضي كثيرا.. أن يتزوّدوا منه .. أن لا ينسوا أصالتهم، ولكن أن ينطلقوا إلى الألفيّة الجديدة بروح جديدة..
في وتريّتك.. الهاجس والحرف.. اعتمدت لجذب القارئ نحو أفكارك أسلوبا يحتوي على غرابة غير معهودة في الشعر.. هذه الغرابة جعلت المتلقّي مشدودا إليها، فما هو تفسيرك لهذين الأمرين؟
- أعتقد أنّ الجانب التكثيفي للمعنى به اختزال واختصار ولمحات، ثمّ تداعيات اللفظ مع تداعيات وانتقالات المعنى ، هذا هو الأسلوب الذي اتبعته، إضافة إلى أنّ القضايا المعاشة الآن تؤرّق كل الشباب العربي وكلّ المواطنين العرب هي ذات القضايا.. وهذا ما يوضّح اهتمام المتلقّين بهذه الوتريّة – حسب ما أزعم - أي أنها جملة قضايا يعيشها المواطن العربي منذ فترة طويلة وحتى الآن لم يجد لها حلاّ..
في ديوانك المطبوع مؤخرا"الدموع المحال" قصائد منفصلة شكلا ، موحّدة موضوعيا وفنيّا، مازال فيها نفس أسلوب الوتريّة ولو بصفة أقل.. أسألك هل تراجعت عن الوتريّات وبدأت مرحلة القصائد القصيرة المنفصلة؟
- هو نفس الأسلوب وهي نفس القضايا.. ولكنها من زوايا مختلفة وتجارب شعوريّة مختلفة أملت عليّ هذه المقطوعات أو القصائد القصيرة.. وبها الجانب التكثيفي أيضا.. بمعنى أنّ هذه المقطوعات القصيرة التي وردت في ديوان"الدموع المحال" يمكن أن تثرى وتمدّد بشكل آخر، كما يمكن أن تكثّف لدرجة أن تصبح مقطوعة صغيرة. ولكنها تحمل معنى مختلفا.. أمّا بالنسبة للوتريّات فلا أعتقد أنّ زمنها انتهى، فما هو مطروح لم يجد حلاّ ولم تستجد ما تشكّل في مجملها قضايا أخرى يمكن للإنسان أن يتناولها بذات الحجم..
هل يمكن القول بأنّ كل ما لدى عبد الرؤوف بابكر قد لخّصه في الوتريّة الأولى الهاجس والحرف؟
- بالتأكيد الوتريّة تحمل مجموعة من القضايا ليست هي كل القضايا ولكن الغالب الأعم، هي قضيّة الوحدة العربيّة، قضيّة إطلاق العربي وإعطائه حريّته بالكامل ليبدع، وعدم التحكّم فيما يقال من قبل أجهزة الرقابة الموجودة في أقطارنا العربيّة، والكبت والتضييق عليه، وقهر سلطة الكلمة عن طريق كلمة السلطة وأدواتها.. وهذا الاغتراب الذي تحدّثنا عنه كثيرا هو اغتراب المواطن العربي داخل وطنه.
أوّل إشارة لمفهوم الغربة في الوتريّة كانت:" فالغربة عالقة تملأ فينا البعد العمق النفس اليوم الأمس" فهل السبب هو عدم فهمنا لوطننا ومتطلبات واقعنا الحالي؟
- هذه الغربة نتيجة طبيعيّة لهواء صدئ نتنفّسه منذ القدم لم يتجدّد ومن غزو ثقافي اجتاحنا. واستلبنا ولم يبق منّا سوى الاسم فقط.. في حين أنّ أزياءنا ومأكلنا ومشربنا وثقافتنا العامّة وكل ما نعيشه ونعايشه اليوم هو من الغرب .. حتى شبابنا الآن نحسّ بأنهم منجرفون لكلّ ما يطرحه الغرب من ثقافات وأزياء وأغان.. فلم نبدع شيئا من ذاتنا.. حتى اللغة أضحت مغتربة في بلادها، وقد أشرت إلى ذلك بقولي "ذبحتنا اللهجة" ، وإضافة للعامل الوحدوي فهي ملحمة وحدويّة في ختامها ناديت بكلّ المواقع والأنهار والمدن والقرى والعيون العربيّة والوديان والجبال العربيّة..أناديها في سياق واحد ، قطعة واحدة، فأنا عندما أتحدّث عن وطني فهو هذا الوطن الكبير، صحيح تحول بيني وبينه إجراءات وتأشيرات وجوازات سفر وبوّابات حدود، ولكنه هو وطني الكبير وسيبقى كذلك.
الأستاذ الشاعر عبدالرؤوف بابكر السيّد هل من كلمة أخيرة؟
- اللغة هي ثوب الأمّة وهويّتها وحاملة ثقافتها وقيمها .. فبها وحدها تكون الأمّة أو لا تكون.. ولكنّ اللغة في ذات الوقت تحيا إذا كانت حاملة لمعرفة.. أدعو الجميع لبثها المعرفة ولإحياء الحرف العربي بها، لتحيا الأمّة من جديد بحروفها ومفرداتها لتصبح أفعالا وجملا وتكتب نفسها ناصعة على صفحات التاريخ، مع قبلة عزّ لجبين الشمس، وشكري في الختام لصحيفة قاريونس ولجهودها العظيمة..
.
- عبد الرؤوف بابكر السيّد في سطور موجود في الديوان الأخير"الدموع المحال" وهو ببساطة حرف من الحروف المشكلة للكلمة العربيّة.. وأتمنّى أن تكون هناك صلة بيني وبين الآخرين عبر الكلمة، كما أتمنّى أن أكون قد وصلت إليهم عن طريق اختراق الذات الفرديّة إلى ذات الجموع.
إهداؤك ديوانك الأخير "الدموع المحال" لخّصته للقوافل القادمة وذلك حتّى لا يأسرهم الفعل الناقص كان.. هل نعتبر أنك فقدت الثقة في الأجيال المعاصرة:
- لا .. ولكنّي آمل ألاّ يأسرهم الفعل الناقص كان.. فهو فعل ماض ناقص.. ونحن نتشبّث به دائما.. ودائما ما نقول كنّا.. ونجرّ ونسترجع أمجاد الماضي ، ولكنّي أعتقد أنّ الفتى من يقول هاأنذا.. ليس الفتى من يقول كان أبي.. عليه وعلى هذا الجيل ألاّ يأسرهم الماضي كثيرا.. أن يتزوّدوا منه .. أن لا ينسوا أصالتهم، ولكن أن ينطلقوا إلى الألفيّة الجديدة بروح جديدة..
في وتريّتك.. الهاجس والحرف.. اعتمدت لجذب القارئ نحو أفكارك أسلوبا يحتوي على غرابة غير معهودة في الشعر.. هذه الغرابة جعلت المتلقّي مشدودا إليها، فما هو تفسيرك لهذين الأمرين؟
- أعتقد أنّ الجانب التكثيفي للمعنى به اختزال واختصار ولمحات، ثمّ تداعيات اللفظ مع تداعيات وانتقالات المعنى ، هذا هو الأسلوب الذي اتبعته، إضافة إلى أنّ القضايا المعاشة الآن تؤرّق كل الشباب العربي وكلّ المواطنين العرب هي ذات القضايا.. وهذا ما يوضّح اهتمام المتلقّين بهذه الوتريّة – حسب ما أزعم - أي أنها جملة قضايا يعيشها المواطن العربي منذ فترة طويلة وحتى الآن لم يجد لها حلاّ..
في ديوانك المطبوع مؤخرا"الدموع المحال" قصائد منفصلة شكلا ، موحّدة موضوعيا وفنيّا، مازال فيها نفس أسلوب الوتريّة ولو بصفة أقل.. أسألك هل تراجعت عن الوتريّات وبدأت مرحلة القصائد القصيرة المنفصلة؟
- هو نفس الأسلوب وهي نفس القضايا.. ولكنها من زوايا مختلفة وتجارب شعوريّة مختلفة أملت عليّ هذه المقطوعات أو القصائد القصيرة.. وبها الجانب التكثيفي أيضا.. بمعنى أنّ هذه المقطوعات القصيرة التي وردت في ديوان"الدموع المحال" يمكن أن تثرى وتمدّد بشكل آخر، كما يمكن أن تكثّف لدرجة أن تصبح مقطوعة صغيرة. ولكنها تحمل معنى مختلفا.. أمّا بالنسبة للوتريّات فلا أعتقد أنّ زمنها انتهى، فما هو مطروح لم يجد حلاّ ولم تستجد ما تشكّل في مجملها قضايا أخرى يمكن للإنسان أن يتناولها بذات الحجم..
هل يمكن القول بأنّ كل ما لدى عبد الرؤوف بابكر قد لخّصه في الوتريّة الأولى الهاجس والحرف؟
- بالتأكيد الوتريّة تحمل مجموعة من القضايا ليست هي كل القضايا ولكن الغالب الأعم، هي قضيّة الوحدة العربيّة، قضيّة إطلاق العربي وإعطائه حريّته بالكامل ليبدع، وعدم التحكّم فيما يقال من قبل أجهزة الرقابة الموجودة في أقطارنا العربيّة، والكبت والتضييق عليه، وقهر سلطة الكلمة عن طريق كلمة السلطة وأدواتها.. وهذا الاغتراب الذي تحدّثنا عنه كثيرا هو اغتراب المواطن العربي داخل وطنه.
أوّل إشارة لمفهوم الغربة في الوتريّة كانت:" فالغربة عالقة تملأ فينا البعد العمق النفس اليوم الأمس" فهل السبب هو عدم فهمنا لوطننا ومتطلبات واقعنا الحالي؟
- هذه الغربة نتيجة طبيعيّة لهواء صدئ نتنفّسه منذ القدم لم يتجدّد ومن غزو ثقافي اجتاحنا. واستلبنا ولم يبق منّا سوى الاسم فقط.. في حين أنّ أزياءنا ومأكلنا ومشربنا وثقافتنا العامّة وكل ما نعيشه ونعايشه اليوم هو من الغرب .. حتى شبابنا الآن نحسّ بأنهم منجرفون لكلّ ما يطرحه الغرب من ثقافات وأزياء وأغان.. فلم نبدع شيئا من ذاتنا.. حتى اللغة أضحت مغتربة في بلادها، وقد أشرت إلى ذلك بقولي "ذبحتنا اللهجة" ، وإضافة للعامل الوحدوي فهي ملحمة وحدويّة في ختامها ناديت بكلّ المواقع والأنهار والمدن والقرى والعيون العربيّة والوديان والجبال العربيّة..أناديها في سياق واحد ، قطعة واحدة، فأنا عندما أتحدّث عن وطني فهو هذا الوطن الكبير، صحيح تحول بيني وبينه إجراءات وتأشيرات وجوازات سفر وبوّابات حدود، ولكنه هو وطني الكبير وسيبقى كذلك.
الأستاذ الشاعر عبدالرؤوف بابكر السيّد هل من كلمة أخيرة؟
- اللغة هي ثوب الأمّة وهويّتها وحاملة ثقافتها وقيمها .. فبها وحدها تكون الأمّة أو لا تكون.. ولكنّ اللغة في ذات الوقت تحيا إذا كانت حاملة لمعرفة.. أدعو الجميع لبثها المعرفة ولإحياء الحرف العربي بها، لتحيا الأمّة من جديد بحروفها ومفرداتها لتصبح أفعالا وجملا وتكتب نفسها ناصعة على صفحات التاريخ، مع قبلة عزّ لجبين الشمس، وشكري في الختام لصحيفة قاريونس ولجهودها العظيمة..
.
كل مرة نلمس فيك جانب آخر, بساطتك فى التعامل وفى الاسلوب الرائع الذى تتحدث به لايصال المضمون, فللنادى الآن وبصوت عربى واحد. افيقوا اللغة العربية من مرقدها. لنتواصل.
ردحذفهوازن