المسحراتي ظهرا وفاعلية القراءة ..
عبدالرؤوف بابكر السيّد – جامعة التحدّي
وقد نشرت هذه القراءة في مجلّد"معمّر القذّافي ..كاتبا وأديبا"الذي أصدرته اللجنة الشعبية العامّة للثقافة والإعلام بالجماهيريّة في صيف 2008م
• الدلالة والمختلف
عادة ما يضع الكاتب عنوان النص بعد إنجازه فيعمد إلى الاختيار لأبرز وحدة تكوينية بنائية حاضرة في النص أو غائبة عنه . وللهندسة الإيقاعية غالبا ما يتطابق العنوان كفاتحة مع خاتمة النص بما يجعله تقديما وتأخيرا مكملا الدورة الإيقاعية والدلالية الممتلئة بالحيوية المشحونة بالسياق العام للنص فــ (المسحراتي ظهرا) العنوان صيغة تقريرية تحمل الدهشة للقارئ لتعارضها مع المفاهيم المسبقة التي يحملها عن طبيعة دور المسحراتي (الدينية من ناحية ، المرتبطة بشهر رمضان) و (الزمنية من ناحية أخرى المرتبطة بالسحر) . هذا العنوان نجده هو خاتمة النص [ ماذا عن المسحراتي ظهرا ؟ ] صيغة استفهامية تحمل التساؤل المدهش الذي يفتح للمتلقي آفاق الاحتمالات ، ويجعله يغوص مستلهما وعيه ليضع الإجابة التي تستهدفه هو نفسه .
. وخاتمة النص تبرز هذا الاختلاف بشاعرية واضحة حين قابل التقرير بالاستفهام : هذا عن المسحراتي في السحر
ماذا عن المسحراتي ظهــــــــرا
هاتان الوحدتان البنائيتان تتوافقان في المسحراتي وتختلفان في التقرير (هذا عن) ، (ماذا عن) .. ويزداد اختلافهما وتباعدهما في الزمان (في السحر) و (ظهرا) وهذا الاختلاف الزماني هو ما انبنى عليه النص القصصي بكامله . وتتمدد الدلالة وتختلف وفق بنائية النص على عدة مستويات .
• المستوى الزماني
يتحدث النص عن الاختلاف بين الليل والنهار ، وهما الآيتان الكونيتان المعيشتان الناتجتان عن حركة دوران الأرض حول نفسها ، والتي تولد عنها الليل والنهار . ( وجعلنا الليل سباتا ، وجعلنا النهار معاشا) ، وبالتالي تتضمنان مفردات
النوم والراحة والسكون والارتخاء في مقابل إشارات اليقظة والنهوض والحركة والتجدد . ويجدر هنا أن نلاحظ أن مفردة (النوم) قد وردت (11) إحدى عشرة مرة ، وتقابلها إشارة (اليقظة) وقد وردت كذلك في النص بعدد مساو تماما لها (11) إحدى عشرة مرة . كما أن مفردات الزمن التي تدل على الليل والظلام والسحر والنوم والنيام والهزيع الأخير من الليل .. الخ وردت (23) ثلاثاً وعشرين مرة تقابلها إشارات اليقظة والصحو والصبح والنهوض والاستعداد والإيقاظ والنهوض والتنبيه والحث والتكرار والظهر والغد الخ ... (23) ثلاثاً وعشرين مرة .
وهذا التقابل بالتأكيد دون قصد مسبق لكاتب النص لكنها الشفرة المسيطرة عليه ودورها في تشكيل النص وإبرازه ..
هذا المستوى الزماني يشكل دائرتين أساسيتين في الوجود متداخلتين تداخل الزمن الفعلي الحياتي ، ويتداخلان بين زمن محدد هو (شهر رمضان ودور المسحراتي فيه) وزمن آخر هو (أيام السنة جميعها ودور المؤذن في كل يوم من أيامها) ثم يتقاطعان في زمن آخر هو زمن الواقع والحياة والوجود ودور الإنسان فيه .
فإذا كان زمن المسحراتي زمنا دينيا وهو ليالي شهر رمضان ، وزمن المؤذن زمناً دينيا كذلك وهو نهار كل يوم بدءا من الفجر وحتى العشاء (وكلاهما ذو طبيعة دينية) وهو دور يستشرف الدار الآخرة ويعمل من أجلها فماذا عن زمن الواقع والوجود والحياة وعن الحديث الشريف (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) فكلاهما عمل وفعل بل قدم العمل للدنيا باعتبارها هي التي تقوم عليها الآخرة ، فالعلاقة تضامنية تلازمية، الوجود في الدنيا مبرر الوجود في الآخرة .
والسؤال الآن ليس عن مؤذن في الظهيرة بل عن مسحراتي في الظهيرة ، لأن طبيعة دور المسحراتي ترتبط بالليل ، ولكن المسحراتي في الظهيرة له زمن مختلف وله دور آخر مختلف كذلك ، لا يتعلق بعمل من أجل الجنة أو النار بقدر ما يتعلق بالحياة والوجود تعزيزاً لهذه الحياة .
و(الزمن) الليل بالتالي يسقط على (الزمن) النهار فكلاهما حالة من الاسترخاء والركون للراحة والنوم .. هنا يصبح التساؤل مشروعا ، وشفرة
أساسية لدى مبدع النص ، وبالتالي لدى القارئ رغم الدهشة التي قد تصيبه لأنه قد يكون مستغرقا في النوم خالدا للراحة حتى وقت قراءة النص .
زمن المسحراتي ظهرا إذن هو هذا الزمن المستمر ، هو هذا الحاضر ( الزمن الليل) الذي استرخى فيه الجميع وراحوا يغطون في نوم عميق ، لم يستيقظوا (ليكون نهارهم معاشا) ليعملوا من أجل الغد [المستقبل] .
هذا هو الزمن المستهدف . وقد تم إسقاط زمنين آخرين هما الليل في شهر رمضان والنهار طيلة العام من منظور ديني (اعمل لآخرتك) لذا عمد النص لاختيار المسحراتي والمؤذن وهما يحملان دلالة دينية ليحقق كما ذكرنا مشروعية التساؤل عن (المسحراتي ظهرا) وهو ذو دلالة وجودية حياتية .
وعلى المستوى الزماني كذلك نحصر (81) واحدا وثمانين فعلا نجد الماضي فيها (4) أفعال تتمثل في (كافأ) و(جزاه) وقد وردتا دعاء يتحقق في المستقبل ومن (أيقظه) حتى يوقظنا وهو ماضٍ ورد استفهاما ودلّ على ماضٍ قريب لا يتجاوز الأسبقية في اليقظة ، وفعل (تعوّدنا عليه) . الآذان يتكرر عدة مرات فتعودنا عليه وهو ماضٍ يدل على استمرارية التعّود ..
كما أن جميع الأفعال في (النص) مضارعة تتركز بين الحال والاستقبال واليوم والغد .
وقد وردت كلمة (الغد) مرة واحدة في النص رغم استهدافها ، ولكن من المفردات ما يحمل معناها ويحيل إليها كإشارات الأطفال ، الانتظار ، كل عام، اليقظة ، الاستعداد ، الصبح ، النهوض .. الخ .
• على المستوى الدلالي :
هناك (المؤذن) وهو صوت متكرر غير متجدد لتنبيه الغافلين عن الصلاة ، يقابله (المسحراتي) وهو صوت متكرر لكنه مصحوب بإيقاع متجدد لإيقاظ النوّم للاستعداد ليوم الغد .
والتساؤل عن المسحراتي ظهراً هو افتقاد لصوت متكرر متجدد لإيقاظ النوّم نهاراً للاستعداد والعمل من أجل الغد (المستقبل) .
فالمقابلة بين المؤذن والمسحراتي تأخذ الشكل التالي .
النداءات
يتكرر الأذان كل يوم عدة مرات يأتي شهر رمضان مرة في كل عام
تعودنا عليه (أصبح مألوفا) النداءات المتكررة متجددة
ماذا عن المسحراتي ظهــــــــرا
هاتان الوحدتان البنائيتان تتوافقان في المسحراتي وتختلفان في التقرير (هذا عن) ، (ماذا عن) .. ويزداد اختلافهما وتباعدهما في الزمان (في السحر) و (ظهرا) وهذا الاختلاف الزماني هو ما انبنى عليه النص القصصي بكامله . وتتمدد الدلالة وتختلف وفق بنائية النص على عدة مستويات .
• المستوى الزماني
يتحدث النص عن الاختلاف بين الليل والنهار ، وهما الآيتان الكونيتان المعيشتان الناتجتان عن حركة دوران الأرض حول نفسها ، والتي تولد عنها الليل والنهار . ( وجعلنا الليل سباتا ، وجعلنا النهار معاشا) ، وبالتالي تتضمنان مفردات
النوم والراحة والسكون والارتخاء في مقابل إشارات اليقظة والنهوض والحركة والتجدد . ويجدر هنا أن نلاحظ أن مفردة (النوم) قد وردت (11) إحدى عشرة مرة ، وتقابلها إشارة (اليقظة) وقد وردت كذلك في النص بعدد مساو تماما لها (11) إحدى عشرة مرة . كما أن مفردات الزمن التي تدل على الليل والظلام والسحر والنوم والنيام والهزيع الأخير من الليل .. الخ وردت (23) ثلاثاً وعشرين مرة تقابلها إشارات اليقظة والصحو والصبح والنهوض والاستعداد والإيقاظ والنهوض والتنبيه والحث والتكرار والظهر والغد الخ ... (23) ثلاثاً وعشرين مرة .
وهذا التقابل بالتأكيد دون قصد مسبق لكاتب النص لكنها الشفرة المسيطرة عليه ودورها في تشكيل النص وإبرازه ..
هذا المستوى الزماني يشكل دائرتين أساسيتين في الوجود متداخلتين تداخل الزمن الفعلي الحياتي ، ويتداخلان بين زمن محدد هو (شهر رمضان ودور المسحراتي فيه) وزمن آخر هو (أيام السنة جميعها ودور المؤذن في كل يوم من أيامها) ثم يتقاطعان في زمن آخر هو زمن الواقع والحياة والوجود ودور الإنسان فيه .
فإذا كان زمن المسحراتي زمنا دينيا وهو ليالي شهر رمضان ، وزمن المؤذن زمناً دينيا كذلك وهو نهار كل يوم بدءا من الفجر وحتى العشاء (وكلاهما ذو طبيعة دينية) وهو دور يستشرف الدار الآخرة ويعمل من أجلها فماذا عن زمن الواقع والوجود والحياة وعن الحديث الشريف (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) فكلاهما عمل وفعل بل قدم العمل للدنيا باعتبارها هي التي تقوم عليها الآخرة ، فالعلاقة تضامنية تلازمية، الوجود في الدنيا مبرر الوجود في الآخرة .
والسؤال الآن ليس عن مؤذن في الظهيرة بل عن مسحراتي في الظهيرة ، لأن طبيعة دور المسحراتي ترتبط بالليل ، ولكن المسحراتي في الظهيرة له زمن مختلف وله دور آخر مختلف كذلك ، لا يتعلق بعمل من أجل الجنة أو النار بقدر ما يتعلق بالحياة والوجود تعزيزاً لهذه الحياة .
و(الزمن) الليل بالتالي يسقط على (الزمن) النهار فكلاهما حالة من الاسترخاء والركون للراحة والنوم .. هنا يصبح التساؤل مشروعا ، وشفرة
أساسية لدى مبدع النص ، وبالتالي لدى القارئ رغم الدهشة التي قد تصيبه لأنه قد يكون مستغرقا في النوم خالدا للراحة حتى وقت قراءة النص .
زمن المسحراتي ظهرا إذن هو هذا الزمن المستمر ، هو هذا الحاضر ( الزمن الليل) الذي استرخى فيه الجميع وراحوا يغطون في نوم عميق ، لم يستيقظوا (ليكون نهارهم معاشا) ليعملوا من أجل الغد [المستقبل] .
هذا هو الزمن المستهدف . وقد تم إسقاط زمنين آخرين هما الليل في شهر رمضان والنهار طيلة العام من منظور ديني (اعمل لآخرتك) لذا عمد النص لاختيار المسحراتي والمؤذن وهما يحملان دلالة دينية ليحقق كما ذكرنا مشروعية التساؤل عن (المسحراتي ظهرا) وهو ذو دلالة وجودية حياتية .
وعلى المستوى الزماني كذلك نحصر (81) واحدا وثمانين فعلا نجد الماضي فيها (4) أفعال تتمثل في (كافأ) و(جزاه) وقد وردتا دعاء يتحقق في المستقبل ومن (أيقظه) حتى يوقظنا وهو ماضٍ ورد استفهاما ودلّ على ماضٍ قريب لا يتجاوز الأسبقية في اليقظة ، وفعل (تعوّدنا عليه) . الآذان يتكرر عدة مرات فتعودنا عليه وهو ماضٍ يدل على استمرارية التعّود ..
كما أن جميع الأفعال في (النص) مضارعة تتركز بين الحال والاستقبال واليوم والغد .
وقد وردت كلمة (الغد) مرة واحدة في النص رغم استهدافها ، ولكن من المفردات ما يحمل معناها ويحيل إليها كإشارات الأطفال ، الانتظار ، كل عام، اليقظة ، الاستعداد ، الصبح ، النهوض .. الخ .
• على المستوى الدلالي :
هناك (المؤذن) وهو صوت متكرر غير متجدد لتنبيه الغافلين عن الصلاة ، يقابله (المسحراتي) وهو صوت متكرر لكنه مصحوب بإيقاع متجدد لإيقاظ النوّم للاستعداد ليوم الغد .
والتساؤل عن المسحراتي ظهراً هو افتقاد لصوت متكرر متجدد لإيقاظ النوّم نهاراً للاستعداد والعمل من أجل الغد (المستقبل) .
فالمقابلة بين المؤذن والمسحراتي تأخذ الشكل التالي .
النداءات
يتكرر الأذان كل يوم عدة مرات يأتي شهر رمضان مرة في كل عام
تعودنا عليه (أصبح مألوفا) النداءات المتكررة متجددة
عبارات محفوظة ومحددة مع الحركة والإبداع
لا إبداع فيها ولا جديد والتكرار بأسلوب طيب يدعو للحفظ
والترديد
للخروج من هذه المقابلة بصوت يشمل حياتنا ليلاً ونهاراً .. يتكرر كل يوم ولكن (بتجددٍ وإبداع وأسلوب طيب) .
وبالتالي فالمسحراتي منبه ، وهذا فيه تجديد محبوب
والمؤذن منبه ، وهو مكرر ومألوف بل أصبح يستخدم آلة مزعجة وكلاهما يمكن الاستغناء عنهما بآلات منبهة لإيقاظنا أو تحديد زمن الصلاة وميقاتها ما دام الهدف هو تنبيه النوّم أو الغافلين عن أوقات الصلاة .
ولكن المسحراتي في الظهيرة يحمل دلالة أبعد فهو منبه ومحرض للجماهير الغافلة النائمة التي أهملت دنياها والعمل من أجل يومها وغدها ، وهذا المنبه لا يمكن الاستغناء عنه بآلات تكنولوجية حديثة ، عليه أن يستخدم وسائل متعددة وطرق متجددة وبأسلوب طيب ليكون محبوباً يؤخذ عنه ويقتدى به . فالزمن كله ليل ، والجميع نيام ، وبذا يصبح التساؤل (ليس مدهشاً) بل مشروعاً لافتقاد من يحث النوّم على اليقظة والنهوض ويحرضهم على العمل والاستعداد للغد (للمستقبل) .
صوت متكرر صوت متكرر
غير متجدد مصحوب بإيقاع متجدد
لتنبيه الغافلين عن الصلاة لإيقاظ النوّم للاستعداد ليوم الغد (الصيام)
صوت متكرر متجدد
لإيقاظ النوّم
والنهضة والعمل من أجل المستقبل
• الاختلاف في الإشارات
ينمو التعارض والاختلاف في إشارات النص ويتصاعد ليقود إلى التساؤل المشروع :
الليل ــ النهار اليوم ــ الغد
الارتخاء ــ اليقظة التكرار المألوف ــ التنوع والتجديد
يتعثر ــ يستمر يكبو ــ ينهض
الصبح ــ العشاء يتحرك ــ يتوقف
نحب ــ نكره اليقظة ــ النوم
المؤذن ــ المسحراتي المسحراتي في السحر ــ المسحراتي
في الظهيرة
كما يذخر النص على المستوى الصوتي بتوازي الإشارات الصوتية مما يترك أثراً جمالياً في الإيقاع الداخلي للنص .
يسمع ننصت أيقظه أيقظنا
/o/o /o/o /o///o /o///o
يتجشم يتخلل يكبو ينهض
///o/o ///o/o /o/o /o/o
يتحرك يتوقف يتكون
///o/o ///o/o ///o/o
النداء الدعاء
/o//oo /o//oo
وهناك مقابلة بين إشارتي (العجيب) و (العظيم) ويمكن الغوص في مدلولات كل منهما وإيقاعهما في الجملة
[العجيب أن يقظة المسحراتي تكون وقت النوم وفي وقت الارتخاء والركون للراحة]
[والعظيم أن المسحراتي لا يوقظه أحد فهو الذي يوقظ النيام]
• الصوت والأثر والفعل
نلمس في النص إشارات الصوت المتكررة ــ صوتاً أو آلة صوت أو فعل صوت ــ بما يصل إلى (24) مفردة تتمثل في :
النداء ــ يتكرر ــ الدعاء ــ الصوت الموقظ للنيام ، النداءات المتكررة ، الطبل ، الإيقاع ، الدعوات ، المفردات ، الآذان ، التكرار ، مسبّحا ، صوت المسحراتي ، عبارات ، القول ، مكبر الصوت ، يقول ، يكرر ، يردد ، يحث ، يعلن ، يؤذن ، منبها ، النداءات .
• كما نلمس الأثر الذي يحدثه هذا الصوت ــ فعلا معنويا ــ بما يصل إلى (24) إشارة تتمثل في :
يزعج ، نعرف ، نحب ، يحب ، يكره ، ننتظر، نسمع ، ننصت ، يردد ، يتجشم ، يقطع ، يتخلل ، يوقظ ، ينقلب ، يمشي ، يسمع ، يحتاج ، نستغرب، نكره ، يتعود ، يفهم ، يحرم ، يحث ، يذكر .
• ونلمس كذلك الفعل الناجم عن الصوت والأثر بما يصل إلى (24) إشارة تتمثل في : نستخدم ، يستخدم ، نستعد ، يصحو ، يتعب ، ينام ، يمرض ، يمشي ، يتعثر ، يستمر ، يكبو ، ينهض ، يتحرك ، يمر ، يتوقف ، يفعل ، يتكون ، يبدع ، يدق ، يدعو ، يسبح ، يسبح ، يحاول ، يستعين .
وهذا التطابق في الإشارات بين الصوت والأثر الناجم عنه ، والفعل الناجم عن كليهما ، يشكل الترابط والتداخل فيهما ، وفي الوقت ذاته يشكل المبتدأ الناجم عن الصوت الأساس في الأثر والفعل ، ومن ثم الصوت منبع الصوت ومصدره .
• حركة النص
وإذا كان المسحراتي لا يوقظه أحد فهو الذي يوقظ النيام ، فقد يتبادر إلى الذهن أنه ليس طبيعيا أو به شيئ من القداسة ، لذلك نجد لوحة أخرى تنفى عنه ذلك وتوضح أنه بشر .. إنّها لوحة صفات البشر وهو منهم إذن ماهي الميزة
التي استحق بها هذه [العظمة] . يتحرك النص صوب لوحة أخرى توضح هذه الميزة ، ثم يتحرك بعد ذلك ليوضح الوسائل التي يستخدمها هذا الشخص الذي يختلف عن الآخرين ، كما تجيب عن : ما الذي يمكن أن يتحمله في سبيل أداء دوره :
} العظيم { } المسحراتي بشر {
} أن المسحراتي لا يوقظه أحد { } يتعب وينام ويمرض {
} فهو الذي يوقظ النيام { }ويحتاج إلى النوم والراحة {
} المسؤولية الأدبية { } الإرادة ، الالتزام {
} الحرص ، الإلزام الذاتي { } الصوت {
} الحث ، التحريض { } المفردة الطيبة المتجددة {
} الطبل والإيقاع {
} تجشم المتاعب ، قطع المسافات مشيا على الأقدام ، {
} الأزقة ، الخلوات ، مصادفة العثرات والكبوات {
} واحتمالها دون تذمر ، المشي في الظلام والاستمرار {
إضافة إلى تمثل الحركة في النص من خلال (81) فعلا منها (67) فعلا للمسحراتي و (15) فعلا للمؤذن وهذه الأفعال الأخيرة للمؤذن منها (5) للمؤذن و (6) متعلقة بغيره و (4) منفية عنه ، وهي حركية تجسد دور المسحراتي الفاعل الذي يعتمد على الحركة والفعل لأداء دوره . وكما أوضحنا سابقا فكلها أفعال مضارعة تعتمد الحال والاستقبال وهو ما يشغل كاتب النص أكثر من الماضوية التي يكاد النص يخلو منها تماما ..
وكلا النموذجين اللذين أوردهما النص (المسحراتي والمؤذن) يتجهان من صوت يتحقق بعده فعل . والصوت حركة والفعل حركة استجابة لذلك الصوت .
• البنائية التكوينية للنص
يزخر فضاء النص بأربعة مستويات قولية تجمعها نسب متساوية تقريبا هي (نحن أونا) ضمير المتكلمين .
و (هم) ضمير الغائبين .
و (هو) ضمير الغائب .
و المستوى الرابع التقريري يوحي بأنه صادر عن (أنا) النص نتيجة منطقية تقريرية ، لما تقره المستويات القولية السابقة .
ويلفت الانتباه أن الوحدات التكوينية للنص تتوزع ــ كما ذكرنا ــ على هذه المستويات الأربعة :
مستوى الـ (نحن) أي الحديث بصيغة الجمع ، وهو ما يثبت الاشتراك الجمعي في الرؤية ، ويتجسد في (10) وحدات تكوينية (9) منها تتعلق بالمسحراتي و (1 ) واحدة بالمؤذن ويمكن تحديدها فيما يلي :
(1) كلنا نعرف المسحراتي ونحبه .
(2) كلنا يسمع تلك الدعوات .
(3) ننصت إلى مفرداتها الطيبة .
(4) نستخدمها في المناسبات فنقول ( اصحى يا نايم ) .
(5) كلما أردنا حث أحد على النهوض واليقظة .
(6) نداءاته لايقاظنا .
(7) كي نتناول سحورنا .
(8) كي نستعد لصيام يوم طويل .
(9) نحن كلنا نستغرب في شخص المسحراتي .
(10) تعودنا على الأذان .
ــ المستوى الثاني الـ ( هم ) ضمير الغائبين وهي صيغة جمعية كذلك وتثبت
الاشتراك الجمعي في الرؤية ويتجسد كذلك في ( 10) وحدات تكوينية منها
(9) تتعلق بالمسحراتي و(1) واحدة بالمؤذن وتتحدد فيما يلي :
(1) الأطفال يحبون شهر رمضان .
(2) ينتظرونه بفارغ الصبر من أجل المسحراتي .
(3) أسلوب طيب يحبه حتى الأطفال .
(4) يحاولون حفظ تلك الدعوات لحلاوتها .
(5) يرددها الأطفال مدة طويلة .
(6) يرددونها حتى ولو لم يفهموا معناها بعد .
(7) حتى الذين يكرهونه لأنه يحرمهم من لذة نوم الهزيع الأخير من الليل .
(8) يحثهم على الاستعداد ليوم الغد .
(9) يذكرونه بالخير بعد فوات الأوان .
(10) يستخدمها المؤذنون في مالطا ..
ــ المستوى الثالث الـ (هو) ويتركز على المقابلة بين المسحراتي والمؤذن.. تتجسد الوحدات التكوينية للمسحراتي في (10) وحدات بينما المؤذن في (3) وحدات كما يلي :
(1) هو حريص على إيقاظ كل نائم .
(2) يتجشم المتاعب ويقطع المسافات مشياً على قدميه .
(3) يتخلل كل الأزقة والخلوات ليوقظ أصحابها .
(4) يقول كل ما من شأنه إيقاظ النيام .
(5) له أن يكرر النداء والدعاء .
(6) كم من عثرة تصادفه ، وكم من كبوة كباها نتيجة ذلك .
(7) لم ينقلب على عقبيه ولم يتعكر مزاجه .
(8) يمشي في سبيله مسبحاً باسمه تعالى مواصلاً مسيره .
(9) يمشي في الظلام ، يتعثر ويستمر ، يكبو وينهض .
(10) هو لا يستعين بمكبرات الصوت المزعجة .
أما وحدات المؤذن فتتمثل في :
(1) هو يؤذن طيلة اليوم .
(2) يعلن الأذان من مكانه بل وهو متمدد على الفراش بواسطة مكبر الصوت .
(3) هو لا يزعج الذين يكرهونه لأنه لا يتحرك ولا يمر أمام أبوابهم ولا يتوقف أمامها .
ــ أما المحورأوالمستوى الأساسي الرابع ، ما يقرره ويؤكده النص مشكلاً رؤيته فيتمثل كذلك في (10) وحدات تكوينية منها (9) تخص المسحراتي وواحدة تخص الأذان ، وتتجسد في الوحدات التالية :
(1) إن المسحراتي شخصية فريدة نادرة ( ليس مثله كثيراً) .
(2) إن المسحراتي إنسان منقطع النظير إلى أبعد حد .
(3) للمسحراتي قدرات لا تتوفر في غالبية الناس .
(4) مسؤولية المسحراتي مسؤولية أدبية ( تتعلق بالضمير والإلزام الذاتي ) .
(5) العظيم أن المسحراتي لا يوقظه أحد .
(6) العجيب أن يقظة المسحراتي تكون في وقت النوم (وقت الارتخاء والركون للراحة) .
(7) المسحراتي بشر (مثلنا) يتعب وينام ويمرض أيضاً أو على الأقل يحتاج إلى النوم والراحة .
(8) صوت المسحراتي ساحر كالسّحْرِ و كالسَحَرَ .
(9) المسحراتي يتحرك ويبدع يدق الطبل ويدعو يسبّح و يسبَح .
(10) إن الأذان يتكون من عبارات محفوظة ومحددة لا إبداع ولا جديد فيها.
ونتجاوز المعنى السطحي الذي تدل عليه الإشارات ، والذي قد لا يتفق البعض مع ما تم تقريره من مستوى ضمير المتكلمين ، فمن قال إننا نكره الأذان أو المؤذن ؟ كما قد لا يتفق الكثيرون في حبهم للمسحراتي بل تكاد مهمته لا تظهر إلا في زمن مضى أو في القرى ، ودوره يتقلص شيئاً فشيئاً ، بعد أن حلت الوسائل التقنية الحديثة التي جعلت الناس لا يهجعون ولا ينامون . كما في الماضي بل يسهرون مع وسائل الترفيه المختلفة عبر القنوات الفضائية المتعددة . مما يجعل المسحراتي شخصية تراثية أسوة بالحكواتي .. والمشخصاتي .. وغيره من الشخصيات التي كانت في الماضي تؤدي دوراً هاماً في غياب الوسائل الحديثة للحياة . ومن جهة أخرى لا يتساوى المؤذن والمسحراتي من حيث القيمة الدينية .
إلا أن بنائية النص حكمتها شفرات أساسية وتحكمت فيها :
* فالهاجس لدى مبدع النص يتمثل في التمرد على السائد والمألوف ، ويدعو إلى التجديد والخلق والابتكار وإثبات الذات من خلال الفعل وأداء الدور ذي المردود الجمعي .
* شفرة أخرى هي التنبيه ، والحث ، والتحريض . وهو ما تقوم عليه الفواعل الثلاثة للقصة [ المؤذن ــ المسحراتي في السحر ــ المسحراتي في الظهيرة ]
* شفرة ثالثة هي دعوة الجماهير إلى اليقظة والنهوض والفعل والحركة والإبداع وهي لا تتحقق إلا من خلال نماذج ثورية تنكر ذاتها وتتصف بصفات المسحراتي من حيث الإلزام الذاتي والمسؤولية الأدبية تجاه الآخرين
ودون معرفة كاتب النص يمكن من خلال ما سبق أن يتم استنتاج الشفرات التي ولدت هذا النص والتي تسيطر على كاتبه فهو :
ثائر .. متمرد على المألوف .. محرض .. يحمل مسؤولية أدبية تجاه الآخرين .. يدعو ويحث الآخرين دون كلل من أجل الغد والعمل للمستقبل هاجسه اليقظة والحركة والفعل والتجديد والجموع والغد ..لذلك كان تساؤله المشروع عن (المسحراتي ظهراً ) .
وشفرات النص تنطلق من معادلات تتجسد في :
النوم :/ يعادل الارتخاء لدى الجماهير والركون إلى الراحة
التجديد لدى المسحراتي :/ يعادل الثورة على كل ما هو رتيب ومألوف
من قيم سلبية .
الطيبة :/ تعادل (بالتي هي أحسن) .
المسحراتي ظهراً :/
• المحرض لليقظة والفعل من أجل مستقبل أفضل .
• الثوري الشخصية الفريدة النادرة .
• الإنسان منقطع النظير .
• الذي له قدرات لا تتوفر في غالبية الناس .
• الذي يحمل مسؤولية أدبية تجاه الآخرين تتعلق بالضمير والسريرة والإلزام الذاتي .
• الحريص على تنبيه النوّم وإيقاظهم .
• الذي لا ينقلب على عقبيه ولا ييأس رغم المشاق .
• الذي تتعدد وسائله وتتجدد أساليبه حتى يصبح محبوبا ً يؤخذعنه ويقتدي به .
بين الداخل والخارج
واضح من خلال ما سبقت قراءته في النص أن هناك تعارض بين ما هو داخل وما هو خارج ...
فالثقافة الدينية والبنية السائدة وأحادية النظرة تجاه الأشياء تشكل خارجاً تمثل في النص وسير آليته متمثلاً في الرموز الدينية الواردة من جهة وفي استخدام ضمير الجماعة تجاه هذه الرموز من ناحية أخرى كلها توجهت نحو بناء النص وسيطرت على النحن والهم والهو .. والمألوف .
وهناك ما هو داخل النص ما هو مختلف مع الداخل إليه من الخارج والذي شكل بنائيته وهو التجديد والتمرد والتحريض :
الثقافة الدينية والتراث المألوف ــ البنية السائدة
التجديد ، التمرد ، التحريض
لقد أخذ التساؤل موقعه في السياق القصصي الذي ورد به ، فالكاتب راوٍ يتحدث بصيغة الجمع ، يسقط الذاتية ويعكس ما تحس به الجماعة تجاه رموز دينية محببة إليهم ، يجسد الفواعل من مسحراتي يحبه حتى الأطفال ، ومؤذن يكرر الآذان خمس مرات في اليوم ، وكلا الرمزين يتجهان بفعلهما إلى المجموع .
ويقوده هذا التجسيد لتساؤله المشروع فيفتح الآفاق وينبه القارئ عبر أسلوب قصصي لم يلجأ إلى الحبكة القصصية التقليدية ، ولم يشأ أن يوهم القارئ بما لا يحس أو يدرك ولا أن يقدّم له معلومة جديدة سوى لفت الانتباه والتساؤل المشروع .. ولم يتضمن النص سوى سؤالين إحداهما واضح الإجابة في ثنايا القصة ، والثاني هو خاتمة القصة وعنوانها .. وهو ما ينبغي على قارئ النص الإجابة عنه وبالتالي المشاركة في صياغة وتحديد أبعاده ، وفتح آفاق له متجددة ..
علاقات الفاعلية إذن داخل النص تتضح من خلال القراءة اللغوية وبنائها الداخلي وتتماهى مع علاقات الفاعلية مع الشخوص (المسحراتي .. المؤذن ..) و (المسحراتي ظهراً) ، كما تبرز بنية الوعي الخلاق التي أبدعت النص في استخدامها لغة البنية السائدة الدينية والاجتماعية و تكسر أفق توقع القارئ بالمسحراتي في الظهيرة كمعادل في الفعل أحوج ما نكون إليه ..
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق