الأحد، 4 أكتوبر 2009

إشكالات اللغة والهويّة
في المشهد الثقافي العربي الأفريقي

أ‌. عبد الرؤوف بابكر السيد
كليّة الآداب ـ جامعة التحدّي ـ سرت ـ ليبيا


(تمّت المشاركة بالبحث في ندوة العلاقات الثقافيّة العربيّة – رؤية مستقبليّة – 13. 7 / 3. 8. 2005 بقاعة الوفاء –سرت .. والتي أقامها اتحاد الكتاب العرب واتحاد كتاب عموم أفريقيا تحت رعاية رابطة الأدباء والكتاب بالجماهيريّة العظمى)

مقدّمة :
التحدّيات التي تواجه المثقف والأديب الأفريقي بين أن يكون رقما فاعلا في الآداب العالميّة من خلال خصوصيّة فنّه وتراثه وقيمه ومجتمعه وفضائه الثقافي ، وبين أن يكون مستلبا يوظف فاعليّته في مدارات الفضاءات الأخرى .. بين أن يوائم بين فنه النابع من أفريقيّته مع الثقافة العالميّة المكتسبة من جهة وبين أن يتخلّى عن فضائه ليصبّ إبداعه في فضاءات أخرى من خلال المكتسب والمستلب والمعرفة والثقافة التي نهل منها، عليه أن يقف عند الموروث بعصبيّة نازعا روحه من المعاصرة متكئا على الماضي ، أو أن يعيش العصر مسائلا الماضي قارئا له برؤية معاصرة، والوقوف أمام المفاهيم التي تتسع لدلالات المفردة في اللغة، والوقوف على بنية الوعي السائدة في هذا الفضاء ومخرجاتها ، وأيّ مفهوم للهويّة سيتبنّى من خلال بنية الوعي التي سيحتاز .......


. كثيرا ما استوقفتنا إشكالات اللغة في الأدب الأفريقي بين اللغات الأفريقيّة واللغات الغازية . وعدد من المبدعين الأفارقة وجدوا أنفسهم يعبّرون بلغة غير لغة أبناء وطنهم أو قارّتهم، فهاجمهم البعض، وبعضهم كتب بلغته الأفريقيّة فظلّ حبيس مجتمعه غير القارئ ولم يصل صوته للعالم. البعض رأى أن اللغة هي أساس الهويّة ، وتجريد الشعوب من لغتها يعني استلابها وتدمير هويّتها ، وآخرون يرون أن الهويّة غير قابلة للتدمير متجاوزين للمفهوم التقليدي ، ناظرين إلى اللغة بمنظار آخر.
تلك أهم القضايا التي تتناولها هذه الدراسة التي تعتمد منهج التحليل الفاعلي من حيث تنازر بنيات الوعي(تنازعها وتآزرها) ، والبنية السائدة في هذا الفضاء الثقافي العربي الأفريقي.
تمهيـــــد :
أفريقيا القارّة السوداء أو القارة البائسة، أو القارة المظلمة، أو المخنوقة أو الهالكة كما يطلق عليها رينيه ديمون (1) استنادا إلى معطيات رقميّة واستحقاقات موضوعيّة طرحها بحياد تام في دراساته التي لم تحرّك ساكنا إلى إنقاذ نفسها أو عمل مراجعة شاملة للمؤثرات والأسباب التي جعلت منها قارّة جائعة اقتصاديّا ومريضة سياسيّا، ومتخلّفة ثقافيّا ، في وقت تتنامى فيه قوّتها البشريّة بشكل مذهل جعل خبراء الأمم المتّحدة يتوقّعون أن يتجاوز تعداد سكانها في العام 2030 تعداد سكان آسيا الجنوبيّة (الصين واليابان والشرق الأقصى) بل إنهم يتوقعون أن يبلغ تعداد السكان الأفارقة في العام 2100 ما يصل إلى 6,2 مليار نسمة مقابل 550 مليونا في العام 1985 (2) دون وضع استراتيجيّة تخرجها من عوامل الهلاك.
ونتيجة جهود حكماء أفريقيا ، وما بذله الأخ القائد معمّر القذّافي ، شكلت قمّة سرت الأولى والثانية، كما شكّل تاريخ 9. 9. 99 صحوة جبّارة في المجال السياسي ، وخطوة هامّة لتحقيق حلم الروّاد في شقّ الطريق رغم العواصف والتحدّيات التي تجابهها القارة منذ استقلالها وحتى الآن.
صحيح إنّ في العمق الوجداني الأفريقي والعربي جروحا غائرة لا تزال تنزف، ومواردها لا تزال تستنزف ومنذ حقب طوال استعبدت فيها الشعوب، ومورست عليها سياسات الاضطهاد والقهر والاستعلاء والاستباحة من بنية برجوازيّة قاصرة. وحين استيقظ الجميع وجدوا أنفسهم على هامش العصر التقني والتكنولوجي ، فإذا بالحسرة القابضة من حيث عدم بناء القوّة المعرفيّة ، وعدم اللحاق والإسهام بفاعليّة في علوم العصر وإبداعاته. وكان لزاما على أبناء القارّة من تلقّي هذه المعارف والعلوم بلغة أجنبيّة ، حيث شكلت لغة للتواصل مع الآخر الذي كان محتلا .
وكثير من الدارسين والمثقفين العرب والأفارقة انشغلوا بإبراز ماضيهم وبالبحث عن جذورهم والتنقيب عن سماتهم وخصائصهم خوفا من ضياع هويّتهم، وذلك ما يوضح بجلاء كيف أننا ما نزال نبحث عن الذات ولم نتجاوز ذلك إلى الفعل .
الشيخ عنتا ديوب (3) يكرّس جهده المقدّر في البحث عن الأصول الأفريقيّة وصلات القربى بين الأفارقة ، وحتى الصلات الألسنيّة بين اللغات الأفريقيّة والمقارنة بين مفرداتها والتنقيب حول التأثير والتأثّر والعلاقة، كما يدعو إلى تطوير اللغات الوطنيّة.
وذاك سنغور يبذل جهدا فكريّا مضنيا بحثا عن الإسهامات الأصيلة " المقدّسات، المسلّمات وأحكام القيمة، الأسلوب والمفردات" التي ينبغي لها أن تميّزنا عن الآخر ، وأن تعبّر عنّا وتصلنا بالعائلة البشريّة في آن واحد .(4)
كذلك يذهب جوزيف ـ كى ـ زيربو إلى أنّ " إعطاء القيمة لماضي هذه القارّة هو سمة من سمات العصر والحافز الذاتي على ذلك أمر بديهي، فهو يعني بالنسبة للأفارقة بحثا عن الهويّة خلال تجميع عناصر متناثرة في الذاكرة الجمعيّة، وهذا الحاضر الذاتي يقوم هو نفسه على أساس موضوعي متمثّل في حصول العديد من البلدان الأفريقيّة على استقلالها إذ إنّ تاريخهم لم يكن خلال الوجود الاستعماري غير زائدة عديمة القيمة ، أو خرقة بالية في تاريخ البلد المستعمر"(5)
وما دفع الأفارقة للبحث عن ماضيهم هو ذاته الذي دفع العرب سواء من الاستفزاز الشعوبي أو الحروب الصليبيّة ، كذلك الأفارقة والاستفزاز الذي شكّله سدّ من الخرافات أشاعها الأوربيّون بأن تاريخ أفريقيا (السوداء) لا وجود له .
فهيغل يقول بأن " أفريقيا ليست جزءا تاريخيّا من العالم ، وهي تقف أمام عتبة تاريخ العالم"(6).
وكوبلان في الربع الأوّل من القرن العشرين يقول " إن أفريقيا لم تعرف تاريخا بالمعنى الصحيح حتى قدم ليفنغستون ـ المبشّر البروتستانتي والمكتشف الاسكوتلاندي ـ حيث إن غالبيّة سكانها ظلّوا جامدين لا يتقدمون ولا يتأخّرون .(7)
وأوجين بيتناز يقول "إنّ الأعراق الأفريقيّة بمعناها الدقيق لم تشارك مطلقا في التاريخ ". (8) .و ب.غاسكوت يقول " إنّ تلك الشعوب الأفريقيّة لم تقدّم شيئا للبشريّة، ولابدّ أنّ شيئا ما فيها قد منعها من ذلك، لم يظهر فيها اقليدس ولا أرسطو ولا غاليلو ولا لافوزييه ولا باستور ، وملاحمها لم يغنّها أحد من طراز هوميروس". (9)
والمؤرخ شارل أندريه جوليان يصل إلى أنّ أفريقيا بلد بلا تاريخ. (10)
و أندريه سيك المؤرخ الهنغاري يكتب قائلا " إنّ الغالبيّة العظمى من الشعوب الأفريقيّة لم تشكّل دولا بالمعنى الصحيح، وذلك لأنها كانت بلا طبقات ، ولهذا لا يمكننا الحديث عن تاريخ لهذه الشعوب قبل ظهور الغاصبين الأوربيّين ". (11)
وفي المقابل يعلّق جوزيف ـ كى ـ زيربو بأنه " على المؤرخ الذي يهتم بأفريقيا أن يضع الاضطهاد الذي تمثّل بتجارة العبيد ، وبالاستغلال الإمبريالي في الموقع الذي شغله بالفعل في تاريخ القارّة، الذي غالبا ما يجري اجتزاؤه بمهارة من قبل بعض المؤرّخين الأوربّيين مع ما في ذلك من تأثيرات مرعبة على عقليّة الشبيبة الأفريقيّة التي التهمت تلك الأطباق المسمومة على مقاعد الدراسة.".(12)
ومن جانبه يأخذ د. محي الدين صابر على توسع التعليم جنوب الصحراء استخدامه اللغات الأوربّية والمناهج الأوربّية، ومعنى هذا كما يقول " إن الأفارقة يصنعون اليوم بأيديهم وأموالهم هذا الاغتراب الثقافي ، وينشرون اللغات الأوربيّة ويبتعدون عن جذورهم الحضاريّة ".(13)

إشكاليات اللغة في أفريقيا :
حريّ بنا أن نوضّح أن أقدم ما وصل من الأدب وخاصّة الشعر المدوّن بلغة أفريقيّة محدود . ذلك أن المجتمعات كانت شفاهية ، واللغات ذات الأبجديّة المدوّنة قليل .
فأقدم ما وصل من الشعر كما ترويه المصادر ما تضمّه اللغة الأمهريّة في أثيوبيا ويرجع إلى القرن الرابع عشر .. يليه ما تضمّه لغة الهوسا في شمال نيجيريا وغربها ، ويرجع إلى القرن السابع عشر .. ثمّ ماتضمّه اللغة السواحليّة في شرق أفريقيا (كينيا ـ تنزانيا) ويرجع إلى القرن الثامن عشر ، ثم يأتي الشعر الذي تضمّه لغات اليوروبا (جنوب غرب نيجيريا) والصوماليّة (الصومال) والزولو والزوسا والسوتو (جنوب أفريقيا) ويرجع إلى القرن التاسع عشر. (14)
وقد أشار عدد من الدارسين إلى أن العدد الدقيق للغات في أفريقيا غير معروف لأنه لا توجد دراسة شاملة لتحديد هذه اللغات في القارة الأفريقيّة ككل ، ولأن هناك مشكلة للخلط بين اللغات واللهجات . (15)
لقد جرت عدّة محاولات لتصنيف اللغات في أفريقيا ، ووفقا لما ذهب إليه (وجرينبرج) الذي وضع قوائم وأوصافا لما يقرب من 850 مجتمعا أفريقيا تقليديا فإن اللغات الأفريقيّة يمكن تجميعها في خمس عائلات عظمى مميّزة ، هذه المجموعات الخمس أو العائلات تغطّي 98% من مناطق وسكان أفريقيا.
وخلاصة ما توصّل إليه (وجرينبرج) عن اللغات الأفريقيّة أنه في اشتراكها في السمات الرئيسية تؤكد تعقّد أصولها وفي اختلاف مناطقها، إلاّ أنها تتفق في النمط العام مع الجوانب الأخرى للثقافة الأفريقيّة.
وهكذا فإن التأثيرات الإسلاميّة المتلاحقة طويلة المدى والتي صاغت إلى درجة كبيرة أنماط حياة الناس الزنوج في السودان بأكمله وفي كثير من شرق أفريقيا، بل وحتى جنوبها نجد انعكاساتها في الكلمات العديدة التي تعود في أصلها النهائي إلى اللغة العربيّة حتى بين الناس غير المسلمين . وفي معظم أنحاء القارة ، فإن التأثير الأوربي على اللغات الأفريقيّة يظل محدودا مقارنة بالتأثير العربي. (16)
وإذا نظرنا لواقع اللغات الأفريقيّة بكثرتها وتنوّعها وتعقيدها ، والذي حسب تقديرات الدارسين يصل إلى مابين 850 و 1000 لغة ، لوجدنا هذا الكم الهائل من المجموعات المنعزلة والذي نرجع سبب انعزالها إلي العزلة التي كانت قد فرضتها ظروف البيئة الاستوائيّة على سكانها من حواجز طبيعيّة غابات أو أنهار أو جبال . أو ظروف التخلّف الذي كان يعيق التواصل بين المجموعات، أو يجبرهم علي الانعزال خوف ما تتربّص به الطبيعة من جهة ، واعتداءات القبائل الأخرى من جهة ثانية.
فإذا علمنا أن تعداد سكان أفريقيا يصل إلي 550 مليون نسمة حتى 1985 وأن ثلث هذا العدد يتحدث اللغة العربية وأن المتبقي يتحدث 999 لغة أي أن كل 250 ألف يتحدثون لغة خاصة بهم ، بل إن جمهوريّة زائير يتكلم حوالي 80% من سكانها ما يزيد عن 50 لغة ينتمون إلى سلالة البانتو .
أما واقعها من حيث اللغات التي يتكلم بها عدد كبير من السكان فتبرز في:
1 ـ لغة الهوسا : التي أصبحت لغة التخاطب في شمال نيجيريا وفي كل القسم الشرقي من غرب أفريقيا من ساحل العاج حتى الكمرون والجابون.
2 ـ لغة السواحيلي : والتي تتكون أساسا من لغة البانتو شرق أفريقيا حيث أصبحت لغة التخاطب في كل شرق أفريقيا وشرق الكونغو والموزمبيق.
3 ـ ثم لغة الماندي : بلهجاتها الثلاث ( المالينكا ـ البامبارا ـ الجولا ) لغة التخاطب في القسم الغربي من أفريقيا من ساحل العاج ، حتى السنغال وتمبكتو .
4 ـ واللغة العربيّة ، وهي التي يتكلم بها كل سكان أفريقيا الشماليّة وأفريقيا الصحراء والتي غدت كما يقول توماس أرنو لد " لغة تخاطب بين قبائل نصف القارة الأفريقيّة(17) أو كما يقول الرحالة الإنجليزي فرنسيس مور 1731 " بأنه وجد معظم أهل غامبيا البريطانية يتكلم اللغة العربيّة وأن الإلمام بها يفوق إلمام أهل أوربا الوسيطة باللغة اللاتينيّة " (18)
أما السواحليّة فيتحدث بها أكثر من (60) مليون نسمة ويغلب استعمالها في عشر دول تقريبا، اثنتان فقط هما اللتان أقبلتا على استخدامها كلغة عمل . في حين نجد الفولانيّة تنتشر في أكثر من ثلاث عشرة دولة ويتحدث بها أكثر من (20) مليونا من جماعات الفولان ، بيد أنه ليس ثمّة دولة من كل هذه الدول قد استخدمتها في الإدارة أو جعلت منها لغة للتدريس بصورة جادة (19) هذا إضافة إلى الأمهريّة في أثيوبيا ، ولغة اليوروبا ، جنوب غرب نيجيريا واللغة الصوماليّة ، ولغة الزولو والزوسا والسوتو (جنوب غرب أفريقيا) .
هذا من ناحية اللغات الأفريقية أما اللغات الغازية فقد وجدت اللغة الإنجليزيّة والفرنسية مواطئ قدم لها إضافة وبنسبة أقل البرتغاليّة. وأضحى هذا الخليط من اللغات يوزع ويشتت أبناء القارة بين الحديث والتواصل اليومي ، وبين استخدام اللغة في مجال التعليم ، وبين استخدامها في الأعمال اللغويّة الإبداعيّة . بين من وجد نفسه يجيد اللغة الأجنبيّة فاستغلّها . وبين من كتب بلغته المحلّية فكانت محدودة الأثر أو ترجمت فخانتها الترجمة وأطفأت بعض بريقها الإبداعي .
يظل الهدف في التوحيد أو التقليص هو أن يتواصل أبناء القارة فيما بينهم ، وبينهم والفضاءات الأخرى ، ويعزز هذا الهدف تقنيات التواصل الحديثة التي أخرجت كامل المجموعات داخل أفريقيا من عزلتها لتستوعب الآخر ، وليتلقى الآخر عنها .
صحيح إن الاستعمار استهدف فيما استهدف اللغات لتمزيق الشعوب واستلابها ثقافيا وفكريا لجعلها تابعة على الدوام .. فقد كتب الحاكم العام البريطاني في السودان عام 1927 تقريرا يقول فيه : "حيثما ذهبت ، سواء عند قمة جبل (اتماتونج) أو عند حدود الكونغو البلجيكي وجدت أبناء الشعب في مختلف المناطق يتكلمون العربيّة، وعلينا في مواجهة هذا الأمر الواقع أن نقدّر بعناية ما إذا كانت مسألة العمل لاستبعاد اللغة العربيّة استبعادا كاملا تستحق ما نتطلبه من جهود وأموال. بل ينبغي لنا أن نتساءل هلاّ يمكن أن تكون العربيّة أداتنا رغم ما ينطوي عليه من أخطار.؟(20)
من هذا التقرير يتضح أن ليس الهدف القضاء على اللغة العربيّة بل الحيلولة دون انتشارها، والتساؤل الذي يطرحه إمكانيّة استخدامها لتحقيق مآرب استعماريّة أخرى غير اللغة .
هذه المسألة درست بعناية في مؤتمر الرجاف لشؤون اللغة في عام 1928، ووضع هذا المؤتمر الأسس الضروريّة لتنمية اللهجات المحلّية واللغة الإنجليزيّة في جنوب السودان ، وإقامة كافّة العراقيل في وجه اللغة العربيّة. واختار المؤتمر ست مجموعات من اللغات هي: الدينكا ، والباري ، والنوير ، واللاتوكا ، والشلك ، والزاندي .. وقرر أن يجري التدريس في المراحل الأولى بأي منها رافضا استخدام اللغة العربيّة بدعوى أنها ستحمل معها النظرة السودانيّة الشماليّة. (21) هذا النموذج الذي يوضح جهود المستعمر البريطاني لخلق فوارق بين شمال السودان وجنوبه ، هو نفس النموذج الذي تعامل به الغرب للفصل بين شمال القارة وجنوبها بدءا من دور المستشرقين ودور المستفرقين في الإعداد لذلك .
لقد أضحى المشكل اللغوي في القارة الأفريقيّة قضيّة احتلّت مساحة واسعة من الجدل بين أن يستخدم الأديب لغته الأفريقيّة أو أن يكتب الأديب وقد امتلك لغة أخرى بحكم عوامل لا دخل له فيها ، وجد نفسه يتحدث الفرنسيّة أو الإنجليزية أو البرتغاليّة فكتب بها ولم يكتب فيها بمعنى أنه كتب ثقافته وجسّد بيئته منطلقا من بنية وعيه وهويّته، موفرا على الآخر عثرات الترجمة وخيانتها.وهو ما دفع بعض الباحثين إلي القول " بأن الكتاب الأفريقيين، والمسلمين منهم بصفة خاصّة ، وإن عبروا بلغة غير لغة قومهم ، إلاّ أنهم قد أخضعوا اللغة الأجنبية لتسطير خواطرهم ومشاعرهم وللتعبير عن مضامين ومفاهيم ثقافية تتخطى أحيانا وعاء اللغة الأوربية، فطوعتها للتعبير عن تلك الثقافة . "(22) وكما يذهب د. خالد عبد المجيد مرسي إلى أنه" نستطيع أن نقول، بمعنى آخر ، إن هؤلاء الكتاب وإن اتخذوا من اللغة الأجنبية وسيلة للتعبير عن ذواتهم وبيئتهم، إلا أن تلك الذات تبقى ذاتا إفريقية أصيلة . فالأدب الأفريقي بلسان أوروبي يظل أدب إفريقيين لم يكتبوا باللغة الأجنبية طواعية أو انقيادا، وإنما نتيجة إفراز لواقع استعماري كانوا ضحيته ، وهو أدب يترجم أفكارا أفريقيّة ويبث مناخات ثقافيّة إفريقية تختص بهم ."(23)
لقد عرض لهذا الجدل د. خالد مرسي في دراسته القيّمة حول " الأدب الأفريقي الحديث وقضيّة اللغة" إلا أنه كان كان في هذه الدراسة قاسيا في هجومه على اللغات الأوربيّة التي كتب بها الأفريقي . فالأدب الأفريقي لم يولد مع ميلاد اللغة الأوربيّة كما يشير إلى ذلك في مطلع دراسته(24) التي استهلها بنصّين أحدهما للشيخ انتا ديوب 1954 يقول فيه :
" أن نطوّر لغة وطنيّة خير من أن نغرس لغة أجنبيّة في بيئة غير بيئتها .. ذلك أن التعبير بلغة الغير في معظم الأحيان كالحاجز الذي يمنع العقل من أن ينفذ إلى محتوى الكلمات ومضامينها الصميمة .. حينئذ يقوم نماء الذاكرة مقام نماء الذهن " (25) وهو رأي يذهب إلى أن اللغة التي هي إحدى إبداعات الإنسان يصبح أسيرا لها منغلقا بها تقود تفكيره وتوجّه ذهنه دون مساءلة لها أو تطوير لمدلولاتها، حيث تدخل ضمن الموروث .
والنص الثاني لادوارد ويلموت بليدن 1897 يقول فيه:
" سيأتي اليوم لا محالة ، حين يطور التعليم الصحيح وينتشر ، الذي سينشأ فيه أدب أفريقيّ يحمل عبير أفريقيا وحرّيتها وفكرها وعقيدتها ، إذ لا يجب أن يظل الأفريقي إلى الأبد متلقّيا لأفكار الآخرين ولاجئا في غير بلاده، لا يفعل شيئا سوى استيراد مفاهيم الغير والتمثّل بلسانهم . فالأفريقي سيظلّ أفريقيّا تماما كما سيظل الأوربيّ أوربيّا إلى الأبد . وليس ثمّة أدنى احتمال لأن يتحوّل أحدهما إلى شاكلة الآخر .. ويقيننا أن ذلك من شأنه أن يكفل للبشريّة انسجامها وسلامها وتقدّمها" (26) وهو ما يثبت أن الهويّة التي يخاف الكثيرون من أن تستلب أو تدمّر هي باقية لا يؤثر فيها استخدام لغة أو تغيير معتقد .
إلا أن د. خالد مرسي غير ماكتبه في " شيخ حامدوكاني " التجربة الغامضة" يحمل في دراسته هذه على الرعيل الأوّل من أدباء أفريقيا الذين استخدموا لغة المحتل معتبرا أنّ التغريب عن اللغة الأم يعتبر من أشد صنوف التغريب إيلاما .
وبالرغم من المؤتمرات الكثيرة التي عقدت والدراسات التي صدرت حول قضيّة اللغة في أفريقيا وضرورة إحياء اللغات الأفريقيّة وتدوينها وإدخالها ساحة الأدب المكتوب، إلاّ أننا نود الإشارة إلى أن الفكر اللغويّ قد أثبت أن الإنسان لم يفكر في كلامه " فلقد انطلق في مزاولة هذه الحاجة ، كما انطلق في المشي والحركة والبحث عن الطعام " (27) أما بنية العقل التي يحتازها الفرد فهي التي يفكر من خلالها ويمنح الكلمات بالتالي دلالتها ، حتى أصحاب اللغة الواحدة إذا ما اختلفت بنى الوعي لديهم فسّروا نصوصهم بمعان مختلفة ووصلت لكل منهم دلالة مختلفة ، فالبنية سابقة للخطاب ، الأمر الذي يجعلنا نميل إلى أن اللغة ليست الكائن الناطق بها بل ما وراءها من بنية وعي.
اللغة هي هذه الصوتيات التي تشكلها البنية المجتمعيّة للتواصل الحياتي والإبداعي والمعرفي ، لا تعدو كونها إحدى الإشارات التي يستعان بها ، وليست هي الوسيلة الوحيدة للتعبير ، وهي من هذا المنظور قاصرة عن أن تحمل عوالم الإنسان الإبداعيّة لذا فهو يستعين بغيرها من الفنون التي ينجذب إليها الإنسان أيا كان ويستوعبها .
لذا فليست هي ـ أعني اللغة ـ من القداسة بحيث تشكل المجتمعات البشريّة في ضوئها مجموعات صوتيّة متناحرة ، كل يريد أن يفرض لسانه على الآخر .
وهي لا تحمل كل ما يصدّر بها بل تحمل جزءا منه يكمله المتلقّي بالقراءة والتأويل.
وهي كذلك لا تشكّل ركنا أساسيا من أركان الهويّة ، بل تقع فريسة دلالات الهويّة وظلالها .
ورغم ذلك فلم يتناول باحث في اللغة أو مجموعة اللغات في أفريقيا المحلّية منها والأجنبيّة إلاّ وشكل انحيازه للغته انحرافا صارخا عن الموضوعيّة البحثيّة، وخرقا واضحا للمنهج العلمي ، حيث يتم تناول البحث تحت ظلال من التعصّب المغرق في بنية وعي القصور والكامن فيها. هكذا يتناول الباحثون العرب والأفارقة اللغة في دراساتهم ، وهكذا عمد الغرب الاستعماري لفرض لغته على الآخر وكأنه بهذه اللغة سيتمكّن من الاستحواذ على الآخر ويمحو مرتكز هويّته وعصبها .
ما نود الإشارة إليه أنه ما من لغة إلا وأثرت أو تأثرت بلغات مجاورة أو مهاجرة ، ذلك أن الإنسان في حركته ليس هو المكان في ثباته، لذلك لا ترتبط اللغة بالمكان قدر ارتباطها بإنسانه ، وقد شهد التاريخ موجات من الهجرات السلميّة من ناحية ، كالارتحال من مكان إلى آخر للتجارة أو غيرها . أو الغزوات القتالية من ناحية أخرى ، وقد يكون تأثير السلم أقوى وأوثق والعلاقة أبقى وأعمق . ولست مع من يذهب إلى أن اللغة هي الوعاء والمحتوى في ذات الوقت . فإذا انكسر الوعاء ضاع بما فيه، إنها أداة كغيرها من الأدوات التي أبدعها الإنسان ،ويستطيع أن يبدع ويجدد فيها كما يشاء .وبمعناها الأشمل فهي لا تعني الحرف والمفردة واللسان، تعني البنية المنتجة لها ، فالبنى المتدنية تكون قاصرة الدلالة ، غير قادرة على القراءة وتفجير المعاني بل تسطيحها لدرجة الخلل.
اللهجات مثلا يردها البعض إلى نتاج الصراع بين اللغة الأم واللغة الغازية وآخرون يربطون بينها وبين البيئة وتأثيراتها حتى داخل القطر الواحد إلا أن الفاعليّة واحدة ومنهج التفكير واحد حتى لو اختلفت هذه اللهجات بل واللغات .
فالمجموعات العربية الإسلامية " التي وفدت إلى غرب أفريقيا لأسباب تجاريّة أو سياسية أو علمية في فترة ما قبل الاستعمار قد انصهرت في البوتقة الوطنيّة لأي من الدول في غرب أفريقيا عن طريق التزاوج أو التمازج أو الاندماج أو المعايشة ، وأيضا عن طريق الذوبان اللغوي والثقافي والاجتماعي في المجموعات الأفريقية المختلفة في دول غرب أفريقيا" (28)
كما نجد الكثير " من المجموعات الأفريقية في أفريقيا قد استعربت أو تعرّبت واتخذت من اللغة العربية لغتها الأم . وفي الطرف المقابل فإن الكثير من المجموعات العربية قد ذابت في المجموعات العرقيّة الأفريقيّة ، ونسيت لغتها العربية الأصلية. وتبنت المجموعات إحدى اللغات الأفريقية كلغة تتخاطب بها فيما بينها، كما حدث في مناطق شمال غرب أفريقيا وحوالي بحيرة شاد وشرق أفريقيا والسودان على وجه أخص " (29)
تماس اللغة بالهويّة :
بعد أن وقعت القارة فريسة للاستعمار تداخلت اللغات الأوربية من إنجليزية وفرنسيّة وبرتغاليّة ، لتفرض نفسها وتمحو اللغات المحلّيّة، وتهيمن بالمسوح اللغوي، عمد عدد من الأدباء والمبدعين ـ الذين وجدوا أنفسهم ، في بلاد غير بلادهم ، ويتحدثون بلسان غير لسانهم ـ إلي التعبير عما يعانون من هذه الظاهرة التي شكلت اغترابا واغترابا قاسيا ، وفق مفهوم البنية التي يحتازون للهويّة ، أحسوا بأنهم وهم يعبرون عن أحاسيسهم ومشاعرهم بلغة ليست لغتهم فيه امتهان لهم ، وضياع لشخصيتهم ،ومن ثم تسربلوا بالتعاسة، وركنوا لليأس .
في قصيدة للشاعر الهاييتي (ليون لالو) تحمل عنوان الخيانة(30) يقول فيها:
إن قلبي الملحاح يناقض لغة الحديث عندي واللباس،
كالمخلب القبّاض تحبسه،
أحاسيس وعادات من أوربا وافدة.
أمن تعاسة تفوق تعاستي،
ويأسي الذي لا يماثله يأس
أن أروّض بكلمات من فرنسا
نبضات قلب أتاني من السنغال .


يفجر (ليون لالو) بهذا النص قضيّة أساسيّة ـ نحتاج إلى إلقاء حجر في ماء ساكن ليتفجّر الحوار حولها ـ وهي هذا الربط الكامل بين اللغة والهويّة، ويطرح في ضوء ذلك سيل من الأسئلة:
هل العلاقة أساسيّة بين اللغة والهويّة ؟
وهل الوعي باللغة يجعلها الميدان الوحيد الذي تحسم فيه المعارك بين البشر .؟
وهل حروب الإبادة للشعوب تتعادل مع قتل وإبادة اللغات ؟
لقد شهد التاريخ شعوبا وأمما لم تنته رغم استخدامها للغات أخرى والدخول في معتقدات جديدة ، سيما وقد أصبح تعدّد اللغات هو سمة العصر بحكم التثاقف بين الشعوب والأمم ، وبحكم ما وصل إليه الإنسان من تقدّم يجعل الفرد بحاجة للآخر ، لمعرفة لغته وأسلوب تفكيره ، ونمط حياته .
فهل يعدّ التعصّب للغة محاولة انعزال الذات عن الآخر ومن ثم عدم تطوير القدرات الذاتيّة أو إمكانيات اللغة التي يستخدمها .
إن أعجب " ما تحدثنا به الروايات أن عالما سويديّا في القرن السابع عشر كان يؤكد لمستمعيه في صورة جدّية أن الرب في جنة عدن كان يتكلّم اللغة السويديّة، وأن آدم كان يتكلم اللغة الدنماركيّة وأن الحيّة كانت تتكلم اللغة الفرنسيّة " (31)
وهناك عالم تركي وقف في مؤتمر لغويّ سنة 1934 يؤكد للمستمعين أن اللغة التركيّة هي الأساس الذي اشتقت منه كل اللغات مستدلاّ على هذا بكلمة تركيّة معناها الشمس هي Gunes لأن الشمس أول ما استرعى نظر الإنسان الأول بين المخلوقات . (32)
وكان بعض العلماء من القدماء يعتمدون في بحثهم على أدلّة نقليّة التمسوها من الكتب المقدّسة، كالتوراة والقرآن ، وفسّروها تفسيرا يلائم ما ذهبوا إليه من آراء . ففي الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين نقرأ قصّة بابل حين حاول الناس أن يتخذوا لأنفسهم مدينة عظيمة، وبرجا شامخا يطاول السماء ، فبلبل الله ألسنتهم وجعلهم فرقا وشيعا ، لا يفهم بعضهم بعضا ، بعد أن كانوا أهل لغة واحدة ولسان واحد ، فانتشروا في الأرض وتعدّدت لغات البشر (33)
وهناك من يقول إن اللغة العربيّة هي لغة أهل الجنّة وأن آدم كان يتحدث العربيّة ، إلى آخر هذا التعصّب الذي تمليه بنية الوعي القاصرة التي تدّعي امتلاك الحقيقة دون غيرها والتفوّق اللغوي والعرقي والديني ..
صحيح إن اللغة العربية ذات بعد روحي إلا أن الإسلام يقصي اللغة حيث لا فضل لعربيّ على عجميّ إلاّ بالتقوى .
ما من قوم إلا تشبثوا بلغتهم ودينهم وماضيهم ومعتقدهم ( فهذا ما وجدنا عليه آباءنا أو أسلافنا) . وأبلغ ما يمكن أن يقال في مجال هذا التماس ومجال الهويّة تحديدا الحديث الشريف الذي يقول : يولد الإنسان على الفطرة وأبواه يهوّدانه أو يمجسانه أو ينصّرانه . أي أن المدخلات تؤثر على المخرجات حيث تعيد البنية إنتاج نفسها .
الهويّة من منظور التحليل الفاعلي :
وبالاستناد إلى منهج التحليل الفاعلي الذي يصنّف بنى الوعي لدى الإنسان إلى ثلاث بنيات، إثنتان منهما مغلقة وقاصرة والثالثة مفتوحة هي بنية الوعي الخلاق ، على صعيد الفرد والمجتمع تتآزر فيما بينها وتتنازر ، فإنّ مجتمعاتنا الأفريقيّة ظلـت ولازالت أسيرة بنية الوعي التناسلي في صراعها مع بنية الوعي البرجوازي ، مستخدمة لغتها أو لغة الغير فإن بنية الوعي لديها تجذبها دائما إلى التعصّب .
ومع تماس اللغة بالهويّة ، حريّ بنا أن نتساءل عن مفهوم الهويّة لدى كل بنية من بنى الوعي .
البنية التناسليّة ـ التي يكون همّها توفير البشر كمّيا ـ باعتبارها إحدى البنى التي تعتمد الإنجاب والتكاثر فاعليّة للإنسان ترى أن الهويّة تتشكل بالانتماء إلى تلك المحدّدات التاريخيّة والاجتماعيّة والعرقيّة والدينيّة واللغويّة ، وهي بذلك تحتمي بهذه المحددات غير الإراديّة والتي تشكل أساس الانتماء للجنس واللغة والدين . وهي بذلك تحتمي بها ، وتدافع عن وجودها من خلال اعتماد الماضويّة التي شكّلت الفرد ، ولا تسمح له مطلقا بتجاوزها .
وللدلالة على أن اللغة هي إحدى إفرازات البنية، فإننا نجد أثر صياغتها في المفردة أو التركيب اللغوي. فالإعلاء من شأن الرجل ينتج عنه الانحياز الذكوري في اللغة .. ففي نحو العربيّة مثلا حين نصف تاء التأنيث بأنها ساكنة غير متحرّكة، غير فاعلة ، ولا محلّ لها من الإعراب له دلالته . في حين أن التاء المتحرّكة هي تاء الفاعل . كذلك نجده في مخاطبتنا لمئات النساء بإضافة نون النسوة ، وحين يكون معهنّ رجل واحد فخطابنا لهنّ بواو الجماعة، حيث لايجوز مخاطبتهنّ بنونهنّ لوجود رجل بينهنّ .
كما نجد توظيف دلالة المفردة لصالح البنية ، كاستخدام مفردة " الشرف" فرغم تمدّد دلالتها واتساع ظلالها حول عدد من المجالات : كشرف العمل أو شرف المهنة أو شرف الوطن .. الخ إلاّ أن المساحة الأكبر من دلالة المفردة تمنحها البنية لشرف الأسرة .
وكدلالة مفردة " التنمية" ففي حين تنظر إليها البنية التناسليّة على أساس زيادة النسل ، ينظر إليها على أساس زيادة الثروة في البنية البرجوازيّة وعلى أنها زيادة الفاعليّة في البنية الخلاّقة .
والتقعيد اللغوي نجد أثر البنية فيه واضحا من خلال ارتباط اللين بالأنوثة ، وتحديد حروف اللين أو الحروف الأنثويّة بالألف والواو والياء .. وفوق ذلك فهي حروف علّة .. لما كانت تمثله الأنثى في سابق العهد من علّة أو عالة على الأسرة التي نجم عنها الوأد لهنّ في الجاهليّة.وتاء المخاطبة يميّزها الكسر .وضميرها المنفصل كذلك .
والمجتمعات التي تسيطر عليها أو تسود فيها بنية الوعي التناسلي ، تحدّد للمرأة مكانها المتمثّل في البيت وتمنحها لقب : ربّة البيت ، ليس إعلاء من شأنها بل قصر لفاعليتها في حدود الإنجاب ، وخدمة الرجل السيّد وأبنائه ، ألا يحقّ لشاكونتالا هاولدار من الموريشيوس أن تصرخ قائلة :
أن يكون الإنسان امرأة
ظلاّ بغير هيئة
يزيل ضوء الشمس
يحمل رجالا في جوفه بغير معنى
في سلسلة الحاجة التي لا تنتهي،
أن يبلى في الأيام الممطرة
مثل حذاء قديم لا لون له ،
ويتلمّس طريقه بين القدور والأواني
وعيناه مشدودتان إلى البخار ،
تدمعان أكثر مما يدمعهما البصل ،
أن يكون الإنسان امرأة
بغير شخصيّة مثل أعواد الخيزران
يتم تفصيله حسب الطلب ،
فيكون وقاء من الجو الغريب .
وحين ينام
يطير مثل العصفور
بغير عائق.
(34)
والثقافة العربية والأفريقيّة كلتاهما تنطلقان من نفس البنية كلتاهما تعتمدان الماضي خوفا كما يظن الكثيرون من فقدان الهويّة ، وكلتاهما بكائيتان الأولى من بكائيات العصر الجاهلي في المقدمات الطلليّة مرورا ببكائيات الأندلسيات وانتهاء ببكائيات الماضي واعتمادها الفعل الناقص كان وكنّا . والثانية بدءا من الاضطهاد ومراحل الاسترقاق والاغتراب التي مارسها علينا الغرب وسخرنا واستغلنا لبناء حضارته . الأولى ترتكز على ماضيها العريق وإسهاماتها واتساعها وامتدادها عبر العالم ، والثانية ترتكز على ممالكها وحضاراتها السابقة .
هذا الانكفاء والبكاء إن دلّ فإنما يدل على العجز والخوف من أن تجور بنية امتلكت القوّة المعرفيّة والمادّية والعسكريّة، من أن تسطو عليها وتدمّرها وتمحو هويّتها. لم تستطع كلتا الثقافتين من أن تتجاوز الماضي ، وتسهم في عصرها بفاعليّة ، لتشكل رافدا هامّا من روافد الثقافة العالميّة .
مفهوم الهويّة لدى هذه البنية (التناسليّة) يعتمد على مفهوم الذات حيث ينبثق من أن النسق أو النواة التوليدية للوعي التي تحدد فكرة الإنسان عن نفسه ومنحى استجابته وتفاعله مع العالم يجعل مفهوم الذات جزءا لا يتجزّأ من بنية العقل . ومن ثم تصبح الذات بمفاهيمها الإقصائيّة للآخر المرتكز لتحديد مفهوم الهويّة .
فالذات المنبثقة إلى هذا الوجود من خلال رحم الأم تظل أكثر التصاقا بمحدّدات الانتمائيّة الماضويّة باعتبارها هي التي شكلته ومن ثم لابد من أن يشكل هو امتدادا للسلف بلغاتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم . لذلك يدافع كل من ينتمي لهذه البنية عن ذاته وعن هويّته التي حددها الأسلاف ، ونصّروه أو هوّدوه أو مجّسوه، وأبعدوه عن الفطرة التي ولد عليها . وتترسخ هويته في العرق واللون والدين واللغة والثقافة ..الخ كما يصبح دفاعه عن هذه الهويّة هو دفاع عن الذات التي حدّدها وعيه عن نفسه والقائمة على إقصاء الآخر . حتى الخطابات الدينيّة لم تشفع لصلف البنية من أن تخفّف من حدّة انحيازها وتعصّبها وجاهليّتها بل أصبحت تفسّر الخطاب وفق منظورها وطبيعة تشكيلها. وتطوّع اللغة وفق مفاهيمها وتجعل منها سياجا تطوّق الجميع به .
البنية البرجوازيّة السائدة الآن في الغرب لا تعتمد تلك المحدّدات ، فبإمكانها كما هو حادث الآن تشكيل مجتمعها من عدد من الأعراق والألوان والمعتقدات واللغات ، لتصبح الهويّة عندها الأيديولوجيّة التي يحملها الفرد ، ما اختاره هو بنفسه من أفكار ومن ثم فهو شيوعي أو رأسمالي أو إرهابي أو براجماتي ، من الدول الغنيّة أم من دول العالم الثالث ..
لقد حدّدت بنية الوعي السائدة في الغرب (البرجوازيّة) مفهوم الذات التي تعتمد المادة ، واستحواذ الخيرات المادّية وجمع الثروة بمختلف السبل بما في ذلك استباحة الآخر ، حدّدت مفهوم الإنسان بوصفه فاعلية مادية هدفها في هذه الحياة جمع الثروات ، وهي بنية وعي تنشأ " حينما يحقق المجتمع درجة من التطوّر والسيطرة على صحة البيئة فيزداد تعداد السكان وتكتظ المدن بالبشر . وحينما تشكل علاقات الإنتاج السائدة القائمة على الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج عائقا أمام الأمن الغذائي المطلوب للأعداد المتزايدة من البشر ، عندها تبدأ بنية الوعي البرجوازي في التشكل ، فيعي الإنسان ذاته ككائن اقتصادي وظيفته ودوره في الحياة يتمثل في إنتاج واستحواذ الخيرات المادية " (35 ) و " من خلال عملية إنتاج الخيرات المادّية تتعرّف بنية الوعي البرجوازي على مادّية العالم فتنشئ العلم والتكنولوجيا ويلبي كل ذلك حاجتها إلى الأمن الغذائي فتبجل العلم . أما الإنسان ونتيجة للانفجار السكاني يصبح سلعة متوفّرة بخسة الثمن" (36)
ولو تتبعنا خصائص هذه البنية ودورها في إنتاج اللغة لوجدنا هذا الوعي قد أثر في التراكيب اللغويّة والمفردات ودلالاتها وعلى اعتبار المدن حتى في دولنا قد تسللت لها بنية الوعي البرجوازي فكثير من المبدعين وصفوا المدن بأن ليس فيها " تفضّل، بل ادفع .. ادفع بكتفيك .. ادفع بكفيك .. ادفع من جيبك .. ادفع من أي اعتبار اجتماعي ، المدينة ادفع .. لا تفضّل " (37) .
البنية البرجوازيّة تقيس الإنسان بما يملك من ثروة ، وعلى ذلك فمفهوم الهويّة لديها يتحدّد وفق وعيها للذات فالانتماء للمال وللاستثمار وللشركات متعددة الجنسيّة ، الانتماء للاقتصاد وفي سبيل المال تستبيح الآخر وتضطهده وتستغلّه وتستعمره ، لغتها لغة القوّة ، ومفرداتها مشحونة بالأنانيّة وتراكيبها اللغويّة تسير وفق نهجها المادّي.
بنية الوعي الخلاّق: تلك التي ترى هويّة الإنسان مرتبطة بقيم الخير والعدالة والمساواة والعطاء غير المشروط والبذل والتضحية والإيثار . تنظر إلى الإنسان الكوني دون عنصريّة أو عصبيّة أو فوقيّة ، وبتسامح كبير وبأفق ووعي مفتوح.
تلك رؤى بنى الوعي ومفهوم كل عن الهويّة، مما يؤكد أنه مهما سعت إحدى بنيتي القصور تناسليّة أو برجوازيّة من اكتساح إحداهما الأخرى وفرض نموذجها وثقافتها ووعيها لتدمير هويّة الآخر فذلك محض هراء. لا تتدمّر البنية وفق آلياتها وبرامج عطائها إلا إذا فقدت مبرّر وجودها، وعجزت عن تأمين الحماية لمن يحتازونها، وحدثت بها شروخ كبيرة أدت إلى ضعفها . عندها فقط تتشكل بنية جديدة دون عنف ودون إقصاء .
الهويّة كذلك بمفهوم البنية لا يمكن محوها أو تدميرها أو استلابها، فالشعوب تغيّر لغتها ودينها وتبقي هي هي بخصائصها وسماتها،وحسب تعبير إدوارد ويلموت بليدن "فالأفريقيّ سيظل أفريقيّا تماما كما سيظل الأوربيّ أوربيّا إلى الأبد. وليس ثمّة أدنى احتمال لأن يتحوّل أحدهما إلى شاكلة الآخر" (38)
الهويّة لا تمحى ولا تتدمر لأنها غير قابلة للتدمير لكنها قابلة دائما للتغيّر المستمر وفق تنازع بنيات الوعي أو تآزرها ، فإذا تصوّرنا جدلا ـ كما يقول شريف يونس ـ (39) في كتاب سؤال الهويّة أن مصر هي بالفعل كيان واحد متحد متجانس ، فإنها بالمقابل تنفرد بتجربة تغيير دينها ولغتها وثقافتها أكثر من مرّة دون أن يعني ذلك بالضرورة تدمير البشر أنفسهم أو مستقبلهم أو مصالحهم أو حتى شعورهم بانتماءات ما . فالهويّة حدث من أحداث التاريخ تجري صناعته وإعادة إنتاجه في شروط تاريخيّة معيّنة .. ومن منظور التحليل الفاعلي نرى أن كل بنية وعي تشكل مفهوما للهويّة خاصا بها وفق القصور أو الانفتاح في بنية الوعي.
المشهد الثقافي في الفضاء العربي الأفريقي :
ما يتشكل الآن من اجتياح غربي واستباحة إمبريالية ومحاولة الهيمنة والإخضاع والقسر والإقصاء الذي يمارس ضدنا يحبط البعض ويجعل البعض الآخر يهرب من ذاته أو يلتصق بماضويّته هروبا من واقع ليس أقل من أن يوصف عاطفيا بأنه يجرح العين ، أو عقلانيا بأنه استحقاقات الاسترخاء الذي حجب الفاعليّة الإبداعيّة لزمن ليس باليسير.بعدنا أو أبعدنا فيه عن العلم والمعرفة، والاستكانة لبنية وعي قاصرة.
الضياع الآن الذي يعيشه كثير من المثقفين، يتمثل في عدم وجود مشروع يشكل هويّة واحدة ويمثّل رابطا قويّا يدافع الجموع عنه، يؤمنون به ويعتزون ويدافعون ، ويلتزمونه نهجا حضاريّا يؤسس للذات وفاعليّتها وإبداعاتها ، ويبرّر لوجودها .
البحث عما يجمع هذا التعدد والتنوع العرقي والثقافي واللغوي والديني في قارتنا الأم لبناء القوّة المادية والمعنوية ، والتزام مشروع لحماية الذات والإسهام مع الفضاءات الأخرى في بناء الحضارة .
إنه بلا شك ، مجموع القيم الإنسانيّة التي تشكل رصيدا تأسيسيا للذات ، وحل إشكالات الديمقراطيّة والحرّية من واقع الهويّة الإنسانيّة لمجتمعات قارتنا وشعوبها ، حيث إنه " لم يعد من الممكن للمجتمعات المعاصرة ، خاصة المتخلّفة ، أن تحل مشكلات العدالة الاجتماعيّة والنهضة انطلاقا من معطيات بنية الوعي البرجوازي أو التناسلي ، لأن المعوّق الأساسي لا يقتصر الآن على ضعف السيطرة على البيئة الطبيعيّة أو زيادة السكان بل يتعدّى ذلك إلى الاستغلال الطبقي والتنافس العالمي على السيطرة على موارد الأرض وفي كافة أشكال الاستعمار الاقتصادي المعلنة والمستترة ، علاوة على ذلك دخلت البلدان المتخلفة في مواجهة حضاريّة بمحتويات بنية الوعي التناسلي ضد البلدان المستعمرة فانهزمت عسكريا وتكنولوجيا وحضاريا ، بل إن معظمها مازال يستجدي الغذاء والدواء . أما بنية الوعي البرجوازي فقد فاقمت من الصراع الطبقي ، ولم تحقق الأمن الغذائي والرفاهية إلا للطبقة الموسرة ، وكان ذلك على حساب الطبقة العاملة وعلى حساب إفقار ونهب ثروات الدول المتخلفة . كل هذه الأسباب تستوجب نشأة وهيمنة بنية وعي جديدة تتجاوز قصور بنيتي الوعي التناسلي والبرجوازي هي بنية الوعي الخلاق " (40)
ومادمنا في دائرة العولمة شئنا أم أبينا ، فإن الأمر يقتضي تفعيل بنية الوعي الخلاق لنقدّم للعالم رؤية جديدة للهويّة الإنسانيّة التي تتأسس على المفاهيم غير الإقصائية، وعلي المحبة والعطاء غير المحدود لإثراء الحياة البشرية جمعاء بدلا من الدخول في صراع بين بنيتي قصور تدعي كل منهما امتلاك الحقيقة ، وما ينجم عن ذلك من شرور ومآس للبشرية .
هذا لا يعني أن نستباح أو نستبيح ، بل تأسيس الذات على نبذ التعصب والتحيّز واعتماد التعدد والتنوع مصدرا للثراء الروحي والمادّي .. وأن يقدّم كل شيء على حقيقته.. وأن يتم كسر احتكار مصادر القوّة من ثروة وسلطة وسلاح التي يتنازع عليها كل من احتاز إحدى بنيتي القصور .
بنية الوعي التي يستدمجها الفرد أو السائدة في المشهد الثقافي العربي والأفريقي بدأت ولا شك تهتز وتحدث شروخا ، بل إن هذا التصدّع الذي يحدث للبنية من جراء عدم حمايتها لأبنائها دفع إلى تسلل بنية الوعي البرجوازي بثقافتها وقيمها ، وأصبح جليّا الصراع بين المجابهة بعنصرية والانحياز إلى الماضوية، وبين ارتياد خطى الغرب التي يسعى لفرضها على العالم مستخدما كل ما في جعبته من (عصي أو جزر) دون النظر إلى بنية الوعي الخلاق التي بدأت تتشكل لحماية هذا الفضاء من أن تحتويه الفضاءات الأخرى ، بل لحماية البشريّة من حماقاتها .
بنية الوعي الخلاق التي كثيرا ما استعانت بها الحضارات المهددة بالسقوط أو الآيلة للانهيار والانقراض لإحداث نهضة جديدة عنصرها الأساس إسهام الذات الفاعلة وإثبات وجودها من خلال مفهوم يفجر طاقات الإنسان الإبداعية ، ويعبر عن إسهام حضاري ينبذ التطرّف والمفاهيم الإقصائيّة .
ذلك ما يدعونا إلى البحث عن الحرية والإعلاء من شأنها ، وممارسة الديمقراطيّة الحقيقيّة غير المزيّفة تلك التي تمنح الإنسان الثقة بنفسه في أن يصوغ حياته لا أن يتنازل عنها لشخص آخر ببطاقة تصويت يلقيها في صناديق الاقتراع .
وذلك ما يطرح علينا الآن عددا من الأسئلة السياسية والثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والروحيّة جماعها ينبغي أن تتم الإجابة عليه بمفاهيم جديدة نقدمها للعالم متجاوزين ما هو سائد من قصور .
الخلاصة :
وما نخلص إليه هو أن اللغة نتاج وإبداع بشري على الإنسان أن لا يصبح أسيرا داخل سجنها وأن يطوّر مفرداته ودلالاتها لتجاوز قصور اللغة وتجاوز قصور البنية وانغلاقها، وأن إشكالاتها كامنة في ارتباطها بالهويّة ناجم عن النظرة الاستا تيكيّة ، وأن هذا التعدّد لايرقى إلي درجة الإشكال إذا نظرنا إلى الهوية بمفهوم ديناميكي مرتبط ببنى العقل. وأن المشهد الثقافي العربي هو مشهد تراكبي يحتوي عددا من الخطابات التي انتجتها بنى الوعي، وهذا التراكب لخطابات بنى الوعي يحتاج إلى تحليل حيث نجد في كل ثقافة مجموعة من القيم التي تنتمي لبنية الوعي الخلاق.
إضافة إلى أننا استعضنا عن المفهوم الاستاتيكي للهويّة بمفهوم ديناميكي قائم على معطيات تركيب الوعي ، ومن خلال علاقة الفرد بالمجتمع تنتج هذه الديناميكيّة استنادا إلى تنازر وتآزر بنى الوعي .. في الوقت نفسه فإن السيادة للبنية لا تعني إلغاء البنى الأخرى ولكنها توظف وفق الحاجات والآليات . كما أن فهمنا الديناميكي للهويّة لديه مرتكزاته في وعي الفرد ، ومرتكزاته في ثقافة المجتمع المعني ، وبالتالي فإن عمليّة الانتقال لهذه المنظومة القيميّة الجديدة التي تشكل الهويّة الكونيّة هو موجود ومضمر في ثقافة أو في وعي الفرد نفسه .
وعلى هذا فإن اللغة تصبح أداة يتم توظيفها ومنحها من الدلالة بما ينسجم مع البنية إنتاجا واستهلاكا ، إبداعا وتلقيا .
توصيات ومقترحات:
ونصل إلى عرض بعض التوصيات والمقترحات متمثلة في :
1 ـ دراسة طرح جديد للديمقراطيّة يتمثّل في الديمقراطيّة المباشرة بحيث يتم تجاوز مفهوم الديمقراطيّة النيابيّة التقليدي، وما يترتب على ذلك من كسر لاحتكار مصادر القوّة التي تستند إليها بنيتا وعي القصور (البرجوازيّة الماديّة والتناسليّة ) وذلك لإتاحة الفرصة لنشوء وتشكّل بنية الوعي الخلاق التي تسود فيها المحبة والإخاء والتعاون والعطاء الشامل . بما يقطع الطريق أمام الاستبداد وهو المناهض الرئيس للفاعليّة .
2 ـ أن تشكل دراسة الارتقاء بالوعي الإنساني ـ لدى المثقف العربي الإفريقي ـ حلقة مستمرّة من حلقات الحوار، نرسي من خلالها بنية وعي بديلة لبنى وعي القصور السائدة الآن في العالم .
3 ـ العمل على الخروج من الدائرة الماضويّة بتأسيس الذات من خلال توثيق وحصر التراث العربي الأفريقي وقراءته قراءة معاصرة لتجاوزه وبناء أسس قويّة وثابتة للبدائل التي تشكل الرؤى المستقبليّة لإنسان هذا الفضاء .
4 ـ الانصهار الثقافي ، وذلك من خلال التواصل عبر المهرجانات والندوات والمؤتمرات الأدبيّة والثقافية والفنية والعلمية ، وأن يتولى المثقفون في كل دولة إحياء أسبوع ثقافي كل عام للثقافة والفنون في أفريقيا.
5 ـ إنشاء مركز التواصل الثقافي ، تنتشر فروعه في كل قطر أفريقي ، يكون بمثابة حلقة تنسيق وتوثيق وتبادل للأعمال الإبداعية والدراسات العلميّة .
6 ـ أن يتم في إطار العلاقات الثقافيّة تبادل الكفاءات والخبرات الأكاديميّة والمنح الدراسية لمزيد من توثيق وشائج الأخوّة العربيّة الأفريقية .
7 ـ أن تتبنى الجامعات العربيّة الأفريقيّة الاهتمام باللغات والآداب والفنون العربية الأفريقية ، من خلال مراكزها البحثية ومقرراتها الأكاديمية. وإنشاء مكتبات تضم النتاج الأفريقي وكل ما كتب عن أفريقيا من دراسات بلغات أخرى .
8 ـ أن يتبنى اتحاد الكتاب العرب واتحاد كتاب عموم أفريقيا إصدار سلسلة مشتركة من الدراسات بما يعزز المشهد الثقافي ويعمق التواصل المعرفي بين أبناء الفضاء العربي الأفريقي .

الهوامش:
(1) رينيه ديمون ، نقد العالم المعاصر ، ت، جورج طرابيشي ، المؤسسة العربية للنشر والإبداع، الدار البيضاء، المغرب ط1 ،1993 ، ص92ـ133 .
(2) المرجع السابق ص95
(3) الشيخ عنتا ديوب، الأمم الزنجيّة والثقافة، ت: ريما إسماعيل، الدار الجماهيريّة للنشر ، ط2001 ،ص285 وما بعدها.
(4) ليوبولد سنغور في تقريره الذي قدّمه للمؤتمر الثاني للكتاب والفنّانين الأفارقة نقلا عن د. عبدالله أحمد بشير بولا ، العناصر الأساسيّة المكوّنة للحضارة الزنجيّة الأفريقيّة أم للفكر "الأفريقي" المغترب ؟ دراسة نقديّة، منشورات مركز البحوث والدراسات الأفريقيّة، سبها، ط الشركة العامة للورق والطباعة 1988،ص9 .
(5) جوزيف ـ كي ـ زيربو ، تاريخ أفريقيا السوداء ت، د. عقيل الشيخ حسن ، الدار الجماهيريّة للنشر والتوزيع ، ط1، 2001 ص11 .
(6) هيغل ، دروس في فلسفة التاريخ 1830 ، عن المرجع السابق ص13 .
(7) كوبلان ، حول تاريخ أفريقيا الغربيّة1929 ،المرجع السابق نفسه .
(8) أوجين بتناز ، الأعراق والتاريخ ، باريس 1953،ص505 ، المرجع السابق ص14 .
(9) ب غاسكوت ، مجلة باريس اكتوبر 1975 ، ص12 نقلا عن المرجع السابق نفسه .
(10) المرجع السابق ص15.
(11) أندريه سيك ، تاريخ أفريقيا السوداء ، بودابست 1965 ،ج1 ، ص19 ، المرجع السابق ص15 .
(12) جوزيف ـ كي ـ زيربو ، تاريخ أفريقيا السوداء ، ص51
(13) محي الدين صابر ، أفريقيا والثقافة العربيّة ، محاضرات الموسم الثقافي الأول 79 /1980 ، منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي ، ط 1989 ،ص 159
(14) علي شلش ، الأدب الأفريقي ، سلسلة عالم المعرفة171 الكويت، مارس 1993 ،ص 44 ، وقد أشار إلى ماذكره داثورني إلى أن 95 لغة محلية من 700 استخدمت في التعبير الأدبي المكتوب ، منها 18 لغة في جنوب أفريقيا . نقلا عن African Literature in The Twentieth Century . .
(15) اكواديبا تولي ، الهويّة الإثنيّة والتعددية اللغويّة في أفريقيا ، مجلة المؤتمر ، المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر ، العدد (6) يوليو 2002 ، ص 12 .
(16) عبد السلام أحمد ضو ، التنوّع الثقافي والتبعيّة الإعلامية في أفريقيا ، أعمال مؤتمر التعليم من أجل التحرر في أفريقيا،منشورات مركز البحوث والدراسات الأفريقية، سبها ،1988 ،ص 255 .
(17) أشارإليه د. محمد محمد طه هلالي، اللغات الأفريقية التي يمكن اعتبارها وسائل اتصال، منشورات مركز البحوث والدراسات الأفريقيّة ، سبها1988،ج2 ص 322 نقلا عن الدعوة الإسلامية ص349 ترجمة د. حسين إبراهيم ود. عبد المجيد عابدين ود. النحراوي ـ مصر 1957
(18) أشار إليه المرجع السابق ص 323 ، نقلا عن د. إبراهيم علي ، الإسلام واللغة العربية في السودان الأوسط والغربي ص 26 .
(19) أ. عبد الله جلو ، التركيز على اللغات الأفريقية وازدهارها ، ، أعمال مؤتمر التعليم ، منشورا مركز البحوث والدراسات الأفريقية ،سيها 1988 ، ص 296 .
(20) محمد عمر بشير ، جنوب السودان ، ط1971، ص 87 وانظر مذكرة من الحاكم العام في 12 يونيو 1927.
(21) المرجع السابق ص 88 ، عن مذكرة في تأييد استخدام اللهجات المحلية..
(22) خالد عبد المجيد مرسي، شيخ حامدوكاني " التجربة الغامضة أو التيار الإسلامي في الأدب السنغالي الحديث، مركز البحوث والدراسات الأفريقية ، سبها 1989 ،ص.10
(23) المرجع السابق نفسه .
(24) خالد عبد المجيد مرسي ، الأدب الأفريقي الحديث وقضيّة اللغة .. أعمال مؤتمر التعليم من أجل التحرير في أفريقيا ، ص 504 .
(25) المرجع السابق نفسه.
(26) المرجع السابق ،ص 505 .
(27) ابراهيم السامرائي ، التطور اللغوي ، دار الأندلس ط2 ، 1981 ،ص 13 .
(28) أحمد محمد كاني ، الجاليات العربية الاسلامية في غرب أفريقيا ، التعاون العربي الأفريقي الواقع الراهن وآفاق المستقبل ، سلسلة الدراسات السياسية والاستراتيجيّة ، 6 ، ط1 ، 1992 ، ص283 .
(29) أحمد محمد كاني ، المرجع السابق، ص 284 . وقد اقترح على القارئ دراسة الأوراق التي قدمها ونشرها البروفسور مدثر عبد الرحيم في مجلة " دراسات أفريقيّة" والمتعلّقة بقضايا العروبة والأفريقية وقضايا التحوّلات اللغويّة والانصهار الثقافي .
(30) أوردها د. خالد مرسي في بحثه عن الأدب الأفريقي الحديث وقضيّة اللغة ص260 . وكذا في شيخ حامدو كاني .ص10 .
(31) إبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ ، الأنجلو المصريّة ، ط4 ، 1980 ، ص 14 .
(32) المرجع السابق نفسه.
(33) المرجع السابق ص 15 .
(34) أوردها علي شلش ، الأدب الأفريقي ص63 .
(35) الشيخ محمد الشيخ ، الإنسان والتحليل الفاعلي ص 8 .
(36) المرجع السابق ص10 .
(37) معمر القذافي ، القرية القرية، الأرض الأرض، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان، ط2 ، ص7 ـ 8
(38) أورده خالد مرسي في الأدب الأفريقي الحديث وقضية اللغة ، ص505 .
(39) شريف يونس ، كتاب سؤال الهويّة، التحرريّة الجماعيّة ، موقع www.geocities.com/samch .
(40) الشيخ محمد الشيخ ، الإنسان والتحليل الفاعلي ص 8 ـ 9 .

.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق