الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

أوقفت راحلتي
عبدالرؤوف بابكر السيّد


أوقفت راحلتي وحرفي عند رائعة الجمال
بواحة كانت هي الفردوس،
كرّمني بها المولى،
فهلالها لغة، وأحرفها تنادي ولا مجيب .


أوقفت راحلتي على أطلال الحروف التي رحلت
وعادت ترتدي ثوب التوجّس والظنون ،
تلامس الخفقان من شغف القلوب.


أوقفت راحلتي أحيّي صدقها إنصافها ووفاءها..
فالنص فيها، دفء المفاصل والمناهل بين فقرات النصوص،
والعمق أبلغ ما يجيب..
. سفر تشاطره البراءةُ خوفَها من أن تغيب،

الحرف والصوت العميق لمفردات شقّ فيها العسر يسرا،
لكنها لم تستفق من نومها بعدا وحاضنة لما في النفس
من وهج الضياء العامر الإشراق في كلّ القلوب..

جفّت مسامّ التربة الأولى
فشقّ النهر روحا شاقها حرف النداء لكلّ أبناء الجنوب..

يا نائح الطلح، يا ضارب الطبل،
يا باكي ويا شاكي ويا حاكي ويا مزمار..
يا عازف الأوتار أشجانا بلا إيقاع..
الدمع خان لصبره،
والابتسام المرّ لمّا يختلس
لحظات بعض من فرح
جارت عليه رياحُ شمأل أو سمومٍ أو هبوب..

لمّا تحدّرت المياه إلى الشمال،
هرب الشمال إلى الشمال،
ظنّا بأنّ به اكتمال،
وكسّر الفخّار إعصار يدمدم في مراوغة
يغازل أو يلامس للجيوب..

سفرٌ من الحرمان يرويه الجنوب..
وهج وبركان غضوب..
جوع القرون
تناثرت صفحاته وصفاته آياته وتكاثرت زلاّته،
واستسلمت للرّيح تحملها كما شاءت
وتلقيها حيثما شاءت بلا وعي تؤوب..

أبصارنا تاهت،
أو انحسرت،
أو انكسرت،
أو انتشرت، أو اعتلّت، أو استلّت عواطفنا..
تبيع الأرض حتّى العرض في كأس وفي شفة تذوب..


الله يابن الغاب.. والأصحاب ..
والإيجاز والإطناب..
يابن فيافي الصحراء.. يابن النيل.. يابن ضحى ..
ويا بن الشمس حتّى في الغروب..

ما هزّني قهرُ الغياب،
ولا التصابي، ولا يأس الثقوب..
ولا ظلامٌ حلّ من جهل الغزاة العاديات
وما ادلهمّ من الخطوب..

إنساني المغلوب بادل في التجارة حقدهم
بالهمّ والصبر الطّيوب،
لم يرتهن هذا الزمان ولا يغيب..
الحقد لم يغش العيون
بل استباح البسمة الحرّى الطروب..

إنساني المغبون من بشرٍ تُكشِّرُ نابها حينا،
وتلعق من دماء النهر حينا،
والبحار ملاعب للنار تزرعه دمارَ الحقد ،
تمتهن الهروب..

باسم السياسة والمصالح والمطامح
والحضارة وامتلاك سماء هذا الكون،
أراضيه وحاضره وماضيه،
وقاضيه الذي أفتى بأنّا مثقلون من الديون
ومشبعون من الذنوب..

كفّارتي أن أستكين وأن ألين..
أن أفقأ العين التي قد تستبين..
وأن أصمّ الأذن أُخرِسُ للّسان..
وأن أصلّي في اتجاه الفاتحين..

الفاتحة...
الحمد لله ربّ العالمين،

رحمُ المعاناة استجاب فأنجب الطفل انجلى معنىً ،
وزغردت الحروفُ العامراتُ بحبّهنّ مع السنين..
الشاهدات على العناق ،
المقبلاتُ، القابلات تبشّر البشريّة الشوهاء
أنْ كفكفي منك الدموع.
اللهُ في كلّ إنسان تجرّع حرف جوع..
اللهُ في كلّ إنسان تأحمدَ أو تتبّع لليسوع..
اللهُ في كلّ إنسان تجرّد صادقا
حرفا ومفردة تضوع محبّة فيعولم الكونَ الربيع..
ليطلّ فجر العالمين الصادقين
الصاعدين إلى السماء
العابدين بلا رياء بين فجر أومغيب..
لا خوف من أربابهم ، رهبانهم، كهّانهم، وشيوخِ دين..

حمدا لربّ العالمين..
عصرٌ تفتّح فجره عبقا بأنفاس الجموع الحالمين..

حيّيت يا بن العصر ،
وأنت تشقّ بعد العسر يسرا،
حين استفاقت مفردات العشق تهتف ساحرات للمشاعر..
حيّيت أضحى العصر باهر..
هذي المحبّة أصلها شجر بغاب للعروق وللعروب..
جبل بصحراء الجنوب..
حلمٌ بأفريقيا الطروب..
وعدٌ بإنسان يذوب محبّة..
لا ظلم لا عدوان يفتك بالشعوب..

تلك المسافاتُ التي بيني وبين النصّ عار قد تلاشت
حين أضحى الحرفُ أعمقَ دافئا عذبا
خرافيّ التكوّن في بحار العشق
لا صوت التلاشي يستحمّ به ولا شفق الغروب..
تلك المساحات التي قد باعدتني
وامّحت حين التقت عيناك صافحت القلوب..

هذا أنا متوحّد مع خالقي
وعيا مع ابن الأرض إنسان التحدّي
في الشمال وفي الجنوب..
فرحي تجاوز كلّ أطلال البشر،
أوقفت راحلتي وقافيتي عليها ،
توحّدت شفتاي ملء القلب لا دمعٌ يراق ولا نحيب....

.

هناك تعليق واحد:

  1. علمتنا أن نعشق الكلمات, أن ندرك معنى المفردات,
    علمتنا أن نستكين مع الحروف, كلماتك العذبة تسامت فى فضاء الكون,عبر هذه المدونة,فلك منا كل الحب يا وحى السماء.
    شدن

    ردحذف