الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

دراسات في شعر المرأة الأفريقيّة
(2)
هموم المرأة


لم يعد عالم النساء مجهولا ، والنسوة الشاعرات يترجمنه ويصوّرنه ويكشفنه ويكتبنه إبداعا.. عالم مليء بالغناء والأغنيات، بالنغمات التى لا تحصى، أغاني المحاربين وأغاني الرثاء والمآتم ، وأغاني المحبّة، وأغاني المواسم، وبالثرثرة حتّى في العمل عن همومهنّ حول (ميلاد الطفل وتسميته، والولادة الثانية، واستهلال الإنجاب)، كما أن هذا الإبداع مليء بصورة المرأة الأفريقيّة العاملة، حاملة لأكوام من الخشب عبر الأحراش البعيدة عن البيت، وصورة المرأة المنحنية بل طابور النساء المنحنيات وهنّ يعزقن الحقول ويكسرن الأرض الحرون، وهنّ يخلّصن المزارع من الأعشاب الضارة ، وهنّ يحصدن الذرة ويدرسن الدخن، ويخزّنّ الحبوب..
هذا هو عالم النساء الأفريقيّات يتجسّد إبداعا لدى الشاعرات منهنّ، يقمن بتصويره بالكلمة وعبر الإبداع، ينقلنه بأبعاده، بغنائه، بضحكاته، بحواراته، باهتماماته، بكل تفاصيل أجزائه.. وكأنهنّ يقلن : هذا هو عالمنا، هذه هي حكاياتنا، وهذه أحاسيسنا ومشاعرنا واهتماماتنا..
. ولكن ما هي الأبعاد وراء هذه الصور سوى أنهنّ لا يرغبن أن يقلّدن الرجال في أغراض الشعر التي فرضوها حسب اهتماماتهم منذ أمد بعيد.. إنهنّ – وبصدق التجربة الشعوريّة لا يشأن سوى تصديرها كما هي.. هاهي (ميسر جيثاي موجو) من كينيا شاعرة وناقدة وكاتبة روايات مسرحيّة، هاهي تتغنى بصورة المرأة في أغان بسيطة وحياة بسيطة من أجل الجميع كي يسمعوا ويتعلموا ويتغنوا بها ، تقول في قصيدتها (أين تلك الأغاني):
أين تلك الأغاني
التي طالما تغنّت بها
أمّي وأمّك
بإيقاعات ملائمة
لكلّ الامتداد الفسيح للحياة ..
ماذا غنّين ثانية
حاصدات الذرة،
دارسات الدخن،
أيضا مخزّنات الحبوب..
ماذا غنّين
يحميننا،
يهزهزوننا حتى ننام..
وتلك التي غنّيْنها
محرّكين محتويات القدر
(غائبة كلماتها بسبب الدخان الخانق)
ماذا كانت
تردّد الغابات
بينما أمّي وأمّك وكلّ النساء على قمّة تلّنا
في طابور طويل
يقرعن عاليا الإيقاعات
يمشين طويلا بمرخ
بينما يحملن أكواما من الخشب
عبر تلك الأحراش.. أميالا بعيدة عن البيت..
ماذا كانت الأغنية؟
وطابور النساء المنحنيات
ليعزقن حقولنا
إلى أيّ ضربة
كسرن الأرض الحرون
وهنّ يخلّصن مزارعنا من الأعشاب الضارّة
ماذا غنّين في المواسم.؟؟؟
ميلاد طفل..
تسمية طفل..
ولادة ثانية..
استهلالات...؟
ماذا كانت أغنية المحاربين
كيف كانت أغنية الزفاف
غنّ لي
أغنية المأتم
ماذا تتذكّر؟؟

وتواصل (ميسر جيثآي موجو) نداءاتها للحرص على التراث وعلى أغنياته وعلى أحلام بني قومها.. تواصل نداءاتها للوقوف ضد النسيان وضد الاستلاب لأجمل الصور التي جسّدتها الأغاني وأرضعتها الأمهات للجيل الجديد عن التراث الفنّي والذي يشكّل الإنسان الأفريقي هذا النسيان الذي سيجعلنا بلا ماضٍ، ويقطع التتابع ، والتواصل ، لذا علينا أن لا ننسى ، وعلينا أن نغنّي، وأن يتواصل هذا الغناء عبر أبنائنا وأحفادنا، لأنه يجسّد إيقاعاتنا ومشاعرنا ويحفظ ذاتنا الأفريقيّة.. وحتى يغنّي الآخرون معنا أغانينا واصلت (ميسّر) في ذات القصيدة نداءاتها:
غنّ..
نسيتُ أغنية أمّي..
أطفالي لن يعرفوها أبدا
أتذكّر هذه:
كانت أمّي تقول دائما
غنّي يا طفلتي غنّي
ألفي أغنية
وغنّي..
اقرعي نغماتك الخاصّة
إيقاعات حياتك
لكن اجعلي الأغنية مفعمة بالحياة
واجعلي الحياة تغنّي..
غنّي ابنتي غنّي
في كلّ مكان تكونين
نغمات لا تحصى..
البعض غنّى
آخرون لم يغنّوا
غنّي لهم
على إيقاعاتك..
لا حظي
انصتي
تشرّبي
انقعي نفسك
اغتسلي في جدول الحياة
وغنّي بعدئذٍ
غنّي
أغان بسيطة..
من أجل الجميع
ليسمع..
ويتعلّم..
ويغنّي معك
.
وفي دائرة اهتمامات المرأة الأفريقيّة التي تكشف عنها وتصوّرها، وهي معتزّة بها.. هذا الدور الذي خصّته بها الطبيعة ، دور الحمل والانجاب، والسعادة الغامرة التي تشعر بها ويشعر بها الآخرون من حولها..
ها هي ( ستيلا شيبا سولا ) وهي تنتشي محبة وسعادة بحملها، فرحة بأنها تسهم بمولودة تملأ عليها حياتها حتى وهي ما زالت في البيت الدائري من الحكمة داخل رحمها ترقص وتلعب بلا تعب ، فيشعّ قلب الأم، إنها هبة من جزيرة الأب..
تقول (ستيلا سولا) في قصيدتها بعنوان (هبة):
إلى هيلين
ابنتي الصغيرة هذه
سأجعلها تشع
(روحاني)
عن الألم والشعب،
صمتت الحكايات الشعبية
الآن الليل يخدش حلمي
في الكهف المعتم
حيث الرغبة تصهر العطش
الدوار، والمحبّة التي تتوهّج على وجهي،
في هذا البيت الدائري من الحكمة
ترقص بلا تعب حتى أغدو بلا أنفاس
مشتعلة بالألم والرغبة المتذكرة
أزيّنك وألمّعك
حتى تشعين في قلبي،
أنت استجابة صلاتي
رمل الشاطئ الأبيض،
هبة من جزيرة أبيك،
الخرزة البيضاء الموعودة التي ستزيّن عنقي
..
امتداد الأم حين يكون الحمل بنتا، تشعر المرأة بأنها وفيّة لأمها، خلقت لها الامتداد الذي تحب، والاستمرار الذي ترغب، والتواصل الذي تتمنّى..، فالعناية بالجيل الجديد هو عناية الأم، وأداء لدورها الذي كرست حياتها من أجله.
في قصيدتها (أنا أمّي الآن) تقول ستيلا شيبا سولا :
أمّي أنا أعتني بك الآن وحدي،
أحمل عبء الاستمراريّة داخلي،
أنت تموجين
مثل سؤال قاس بدون إجابة
على الضفّة البعيدة من النهر
تجلسين بصمت،
فمك مغلق تراقبيني أتصارع مع هذه الحزمة
التي تنمو مثل حبّة ضخمة بداخلي
في قبضتك المغلقة تخبّئين
ألغاز الفاكهة، أو طفلا صلصالي
ومشيت متلاشية في الضباب
لكن يا أمّاه، أنا أعتني بك الآن
أجيال جديدة تعبر خلال دمي
وأحملك بفخر على ظهري
حيث لم تعودي سؤالا بعد الآن..
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق