الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

جدّي السيّد.. سامحنا

جدّيَ السيّدَ.. سامحنا

عندما كنت مولودا حفيداً
كنت – يا جدّي – تتلو بعض آيات من الكلم الجوامع
وعندَ نشأتُ كنت تقول:
إنّ الكونَ ممتدّ وواسع
لكنّ كون الصدر أغنى بل وأكبر
أرضه بكرٌ وتربته خصبة لو كنت بارع
فأرضعتني الأمّ طعم العزّ
فيه محبّة الوطن الممانع

قلت لي – جدّي السيّدَ – اقرأ وتعلّم
فإنّ العلم للإنسان نافع،
والزم الصدق، وكن للنفس عند الضعف رادع
وانثر الحبّ بذوراً ينتج الحبّ الروائع
واجعل الوطن امتدادك وافتديه الروح طائع.
. كلّ ما قاله جدّي، كنت أصغي
وكلّ جوارحي كانت مسامع
ثمّ ناديت بأعلى الصّوت خارطة الوطن
سوف أبني ما بنفسي عاشقا سحرا وفن
والزمان كان يمدّ الخطوَ أعواما يسارع.

جدّيَ السيّد قلت لي اقرأ تعلّم
ليتني ما تعلّمتُ ..لكنتُ اليومَ كالقطعان خانع
قلت لي: لا تبع حرفاً لغير الحقّ
فإذا الحروف اليوم في الأسواق
من شارٍ لبائع..

قلت لي : قممَ الجبال أحقّ أنْ ترقى
فانتشيتُ بما رأيتُ ،
وكان الحلم للأوطان واسع
خطّفَ الأبصارَ – يا جدّي – برقٌ
كان خلّبُه يُخَادع
والمدائنُ في بلادي
لفّها الإعصارُ غطّتها الزّوابع

يا مآذن يا كنائس يا جوامع
يا شرائعَ يا صوامع
يا صحائف يا مطابع
اكتبوا عنّي بأنّي والملائكة اتّفقنا
عن الإنسان، أينما كنّا ، ندافع..

بشر البريّة أفسدُوا كلّ المنابع
سفكوا الدّماء وخالفوا هدي الشّرائع
قالوا: التحزّبَ في البلاد طريقنا
مثلما في الغرب ناجع
لم يعلموا أنّ البلاد بحاجةٍ لهمُ جميعا
فالبناءُ تكاتفٌ وتآلفٌ ومحبّة
في الله والوطن المحاصر بالمطامع..

كم كنت يا وطني كبيرا حين تجتاز المواجع
وكانت الآمالُ تكبرُ كلّ يومٍ حين تختزل الموانع
والنور عبر الدّور، كان يشعّ من عينيك ساطع..

كم كنت يا وطني المداد والامتداد
ومصدراً بين المراجع
كم كنت يا وطني الجهاد والاجتهاد
والاعتداد على البصائر والمسامع
ما بالُ وجهِك كاسفاً ، قد تحدّرت منه المدامع

يا بلاداً كالبضائع
فيكِ أضحى الحقّ ضائع
الدمعة الحرّى في عين أطفال الشّوارع
والقِدْر ملأى بالحصى والطفل جائع
وطني وأقدام الحفاة تصافح الطرقات تلهثُ في المفارق
وطني، هجيرُ العيش أقسى من هجير الشمس حارق
والشيخ يرفع كفّه للّه ضارع
ونحن ندور حول السلطة الحمقى نوالي أو نصارع أو نمانع
وهي عند الغربِ .... يحتاج منّا للبيادق..

سقطت من الأفعال ما يأتي كما الماضي،
وضاع من بين أيدينا المضارع،
والأمرُ سنّ النّاب والنوّاب، أضحى الأمر واقع
والموت أضحى خبزنا اليوميّ نأكله فيأكلنا
والغرب في الإجرام ضالع..

يا جدّي السيّد سامحْنا
فشعبك لم يقوَ على حمْل السيادة
لم يغيّر ما بنفس كي تكون له الرّيادة
ككلّ العُربِ لا جندٌ يذودون عن الحوض
ولا حكّامُ أو قادة..
كأنّ الظّلم والإفساد أضحى في بلاد الشرق عادة
كأنّ الضعفَ أضحى كالعبادة
فقد أمسى انتشاء الغدر بين بنيك شائع..

يا جدّي السيّد إن لم تجد عذرا لنا،
فاشفع لنا،
واعلم بأنّ الغرب يختلق الذّرائع
ولقد بنينا للخيانة – بعدُ – آلاف المصانع
سادةً كنّا، ولكنّا غرسنا الحقد جينات بأرحام المزارع
والحكم زيف سيفه فوق الرّقاب،
وحدّ السّيف قاطع
والدماء تروّي تربتي العطشى
وامتداد الثأر واسع..

كنّا نخاف العتمة العمياء نخشاها
فأصبحنا نخاف البعض منّا وضوء الشمس ساطع
كنّا نناضل للتحرّر أن نفكّ القيدَ
أمسينا نقارع بعضنا كي ما يعود الظلم راجع
كي يظلّ الحرّ عبداً لغير الله راكع
وأن تظلّ سياسة المتبوع فينا
ونحن من ظلّ ومن ذيلٍ لتابع..

جفّ صدر الأمّ – يا جدّي – آمْ تُرى غاضتْ منابع
ساد فينا الظّلمُ ، أم صُمّت عن الحقّ المسامع
حلّ فينا العارُ أمْ فينا سكن،
طال فينا البؤس أم مُدّت شرايين المحن
باسم الوطن ، سُرق الوطن
أُسِرتْ مدن،
باسم الإله تنصّبت هُبلُ الوثن
باسم الثقافة والحروف لها ثمن،
ولأجل من؟
رقص الجميع على ترانيم الوهن
باسم التقدّم والتحضّر بيتنا الغالي تهدّم وارتهن
والبون ممتدّ وشاسع..
فالكلّ منّا اليوم خانع
إمّا لحاكمه، أو لمن جاءنا غازٍ وطامع
لكنّ عند الله ما ضاعت ودائع..

جدّي السيّدَ
من قبلُ سدْنا بالفعال وبالخصال وبالنضال
واليوم تحت الأسر نحتمل النّعال
سقط القناعُ فساد فينا الاقتتال
والفساد المرّ بسري في المفاصل
فاحتكمنا للمجاهل..
ولقد قبلنا أن نعيش على الفواجع والمواجع والمدامع..

لكنّ أحفادك – جدّي – فيهمُ روحُ الأمل،
فاصبر علينا الجرحُ لمّا يندمل،
واصبر علينا الوعيُ لمّا يكتمل،
واصبر علينا أن يكون الاسم ما بين المحافل
جاهراً بالحقّ في كلّ المجامع

إنّ تطهير النفوسِ البدءَ
تتبعُها المحبّة، ثمّ تحرير المواقع..
لن يكتب التاريخَ محتلٌّ يدمدمُ رعدهُ
والحقُّ ساطع ....
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق