الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

وترية الهاجس والحرف

إهــــداء أوّل..ــــ


إلى الجيل المحدّق في الفراغ
ـــ وكاد أن يغرق..
إلى الوطن الممزّق ...
إلى الحريّة المعشوقة التي استعصت..
فلا أمل ولا باب ليطرق..


رؤوف
إهداء ثانٍ..

وطني شجني
لغتي سكني..
روح الحرف بغير سكون
فيك ولدت..
وفيك نشأت..
وفيك أكـــــون

رؤوف.
إهــداء ثالث..

إلى الموتورين من شرفاء الأمّة..
إلى قوافل التحدّي في الجامعات العربيّــة..
وإلى المجهولين القابعين خلف القضبان..
والمشرّدين خارج أوطانهم..

رؤوف مقدّمـــة الهاجس..


يتعرّج الحرف، يتوه، يرتسم جدارا، يشتعل دخانا، ينطلق رصاصا.. يتمزّق ، يتصلّب .. يموت.. ويحيا..يسمو.. يغوص بأسفلها، يتشكّل روحا.. جسدا.. يعبث.. يلهو.. يؤمن.. يكفر.. يبدع.. يخلق.. .. هو ذات الرّوح من أمر الربّ.. تتدفّق عبر الحرف.. والحرف المجموع من المجموع، هو ذات الروح، من الرّوح الأم.. بإرادته وإرادتها.. بقدرته.. وقدرتها.. موتورا كان بذاتيّته.. موتورا كان بآلام جموع، يتمزّق ألما.. يتبعثر.. يتجمّع في غضب قدسيّ، يثأر للنفس وللمجموع.. يثور ويتمرّد عن كلّ الأشكال.. يلتزم بجوهر صدق.. يقاوم، يرفض أن يهزم.. حتّى في العبثيّات يقاوم.. لا يتحنّط.. يرفض حتّى الموت.. فالرّوح هي الأبعد.. وفي موت الجسد حياة للرّوح، وحياة الرّوح هي الأقوى..
الحرف إذن يحمل كلّ معاناة الرّوح.. والشعر الدفقات الأمواج، يدور كما الأمواج ولا ينضب.. يقاوم مثل الريح.. يهدر كالرّعد ويهدأ.. يسكن مثل نسيمة فجر يستشرف أسعد ما في الغد..

لكنّ الهاجس رؤية، ويصير قضيّة، يستنفر كلّ جزيئات الرب.. يلتحم بمجموع لا يعرف يوما طعم هزيمة.. فالنصر حليف الرّوح، لو صدق الرّوح الحرف، تمدّد فيه بلا صنعة.. فالصدق طبيعة روح ، وسجيّة حسّ، حين يكون الحسّ رؤية روح لجماد.. فجماد الروح جماد الحرف..دمار النفس، خيانة مجموع الربّ.. رباط لا ينفصل ولا ينفصم ولا يحترف المنهوك أو المجزوء.

هذا مذهب روحي.. يا أرواح تهيم وراء الحرف.. ويا أرواح تقود الحرف.. ويا أرواح بحياة الحرف تعيش، بموات الحرف تموت.. وموات الأرض موات الزرع.. وموات الرّوح موات الحرف.. وموات الحرف خيانة من علّمنا.. كفر بالقلم وبالإنسان..

هاجس روحي بين يديكم، وشكل الروح بشكل الحرف.. والحرف بلا شكل من أشكال الماضي.. وهو الماضي وهو الحاضر، وهو الرؤية فينا الأبعد، بين أياديكم.


رؤوف..
1/4 /1988 . وتريّة
الهاجس و الحرف


ما بال الهاجس
يوغل بين مسام التربة يكتب فينا كيف نكون
نتعلّم كيف ؟
وفيم ؟ علام ؟
وأين نكـــــون؟
من كنت تكــــــــون .
من كان يكــــــــون
فالغربة عالقة ، تملأ فينا البعد ..العمق ..
النفس .. اليوم .. الأمس .. فكيف نكــــــون ؟

الغربة عالقة يا هاجـــس
منذ امتدّ البصر وعانق أرصفة الميناء،
عانق ألوان الأزياء .
مذ زاغ البصر ..
وضلّ الأثر ..
وشحّ المطر ..
بلا مبتدإ بقي الخبر ، بدون حياء .


خذ هذا العقد ...
فريد لم تلبسه فتاة من قبل..
خذ هذا العطر، الفردوسيّ ،
الباريسي، الرومانسي.
خذ بيتا من علب الكبريت الفاخر .
خذ هذ التبغ له طعم الرمّان ،
بصدر فتاة عذراء..

الضاد تمسّـح زمنا في الصحراء ..
خذ هذا القدح اقترح الفرح عليك ..
فرح العينين يعيد جنان الخلد إليك ..
فاعذره أباك ، اعذره أباك
الحرف فداك..
كثبان الرمل امتصّت روحك منذ سنين
قد بدّد حرفك روحك في هذا الكون ..
فماذا بعد ؟
وفيم البعد ؟
وأمّا بعد ..
ولمّا بعد ..
نصارع لجتها الكمد .. الأمد ..
الأبد الساكن فينا ..

وعند تخوم الليل ..
بيوت الليل ..نجرّد حنجرة الصوت ،
نخيف الصمت .
يبتلع اليمّ حصيلة معجمنا اللغويّ..
منذ أبيت اللعن ،
عليك اللعنة ..
حتى ترتد اللعنات علينا .

وهما كانت هذى الغربة،
أضحى الزمن القبل المسبحة الألف تهجد فينا ..
وتكلّس حتى في الفرح الميّت ، بين أغانينا.

كنا .. كان .. وكانت ..
حتى أمست فينا الحسرة ، تنهش فينا ..
سيف مكسور ،
وجواد الغربة يلهث .. يطوي ..
كل مساحات الوطن المغدور ..
الغربة في الرئتين ، ومنذ دهور.
الغربة في الرئتين ،
لأن هواء صدئا ... جاء إلينا ..
يعني أنّا ...أنّا صرنا ...
صرنا من سقط الأشياء ،
جرحا في خاصرة الوطن المطعون.

ومنذ قرون ..
ونحن الصرعى للأفيون ،
وقرص (الجـون) ،
وحملة (نابليون)،
ومقالة (مستر جون)،
وآخر مبتكرات (البنتاغون)،
وال(C.I.A) .. وال (B.B.C) .
وال (K.J.P) وعيون حبيبي ..
والهيبي البدويّ التائه في صحراء ملاهي (بون) .

ارحل عنّي ..
اخرج منّي ..
لو نحن رحلنا، منّا الغربة ما ارتحلت ..
لو نحن خجلنا ، ما خجلت ..
فتعدّد .. فيّ تمدّد ، هذا الإنسان المحزون.

في آخر زاوية من حمّى أوجاع مخاض العصر
المتثاقل مثل دعابة ،
تملأ كل حنايا النفس كآبة
والكمّ .. الهمّ .. الهائل ،
من أمواج الحقب المسلوبة،
من شطآن الغابة ،
رحت.. أنقّب،
في الصفحات المنسيّة من زمن ،
والرحم المهجور بلا قابلة ،
والجذع المنسيّ لنخلتنا ،
الشامخ كان بأرصفة الصحراء .
تجعّد هذا الوجه بلا تجربة ..
بين الغبراء ،وداحس ، والميناء.
هذا الميناء امتصّ رحيق براءتنا..
وشهيّة طعم أصالتنا ..
من دهشتنا ..نسي الصابر منّا عند الجوع سنامه.
عند المفرق ، كانت خصلة هذا النيل علامة ..
نسي الكامن فينا والمكنون..
ما بال الهاجس، يوغل بين مسامّ التربة،
يكتب فينا .. كيف نكــــــــون ..

من عمق مسام التربة
هبّت ، كلّ جذوري من مرقدها .. انتفضت ،
لتلاحق بالأنفاس حروفا مثقلة برماد الحزن المجنون ..
هتفت ..وتهجّـت :
حرف الواو..
وحرف الطاء ..
وحرف النون.

يا واهب هذا الكون النسمة ،
دثّرني .. دثّرني ،
بأرقّ الطبقات شفافية،
لأن الواقع يجرح عيني ..
أخشى أن أفقأ عيني ..
اكتبني ،
صفحة عشق في وطني ..
أو سطرا في ملحمة الكون الأبديّة
نفد الصبر ..
تعب القلب ..
شاخ البصر ..
اتقد الجمر بعينيّ..
انتفض الروح تمدّد فيّ ،
هزّت معصمي المثقل بالأصفاد لشوق القدرة
امنحني يا واهب هذا الكون .. القدرة .

الرمز المكبوت بقلبي يتفجّر ،
يسّاقط حجرا تلو حجر .
الفرح تمدّد في أفق الأحزان نشيدا ،
والطيف امتزجت ألوانه ،
ما عاد بسبعة ألوان.
... لا أطلب منك ..
بل أطلب فيك .....
لا أغضب منك ..
بل أغضب لك ..
أعشق سرّي .. وأتوق إليك ..
اكتبني حبّة رمل في واديك ..
انثرني قطرة دمع لروابيك ..
فالنبض بشرياني يهتف عطشا ،
لعناق مسامّ التربة فيك .

وانطلقت ترقص بالخلخال وغنّت ،
وجدا .. وهياما
عاشقة ذابت.. وتسامت .. وتنامت
من حزمة ضوء كانت..
كانت عند المفرق خصلة هذا النيل علامة..

يتمرّغ كان القمر الشاحب ، في وجنته المحمومة
حتى غطّى الفيض الهامة
عند الصفر احمرّ الأفق،
وكان اليوم قيامه ..
عند الدائرة السبعين من الدوامة،
عند هبوب عواصف ثلج السلطة،رحلت ، تاهت ،
جوهرة العدل المفقود ،وأضحت،
تاجا لرئيس الحزب ..
أبهة الجنرال الحاكم ما انفكّت ..
لعبة سلسال يلهي صاحبه ،
باسم عدالة هبل فينا ..

ما طلب ذبائح ، نحن ذبحنا القربان،
ونصّبناه علينا.
في الدائرة السبعين،وقرب القاع،
تبدّت قطرة دمع،
حملت ألوان الطيف ،
وحمّى وهج الصيف ،
فامتزج الدمع..
بأنّات قرابين النصر المذبوح بأيدينا..

وانسابت عينا صافية،
تخدشها الشعرة حين تلامسها
حفرت ، حفرت ،
نبشت ، نبشت ،
بأظافرها غرست بذره .
وسقتها من دمعات العشق ،
بلهفة شوق ،
والتربة كانت عطشى ،
والبذرة كانت دافئة كالهمسة قالت :
أعرني أذن الليل ، لأسمع نبض حياتي ..
إيقاع الكون اهتزّ وصار نشازا،
أعرني ، ثقب الشمس لعيني ..
تتجلّى في كل مساحات الأرض الحبلى،
أعرني ، قلبا لا يتعب ،
من نبض ثوانيه ولا يعرف معنى الخوف، أو الرعب .

هاأنذا مخزون الأمس ،
كم كنت أكابر حين رفعت الإصبع،
كي أحجب ضوء الشمس،
كم كنت أكابر حين مددت الكفّ ،
لأخفي قرص الشمس ،
كم كنت أكابر ، حين هجرتك..
هربا من ظل السيف.

هاأنذا مخزون الأمس،
أعود إليك كتابا مفتوحا،
مفتاح الرمز لديك ...

وسكبت حنين الشوق لعينيها
أقسمت لأغزل من خيط الشمس ثياب العرس،
أقسمت لأجدل من لهب الأفق (حريرة)
أقسمت أضمّخ من عطر الفردوس(ضريرة)
أمزّق أشلاء الخوف،
أقاوم قضبان الحيف ،
أسطر ملحمة العشق بأقدس آيات الحرف .

والحرف شقيق الروح...
فكيف تخون الروح التوأم فيها ؟
كيف تخون ؟
لمّا هزم الحرف .....هزمنا
كان النظر أمام جدار الوهم كسيحا ،
لمّا شرّده الخوف ،
الجسد المتعب كان مسيحا..
لمّا ذبحته اللهجة ،
قمنا نبحث عنه فكان الروح جريحا،
وفضاء الفرقة فينا كان فسيحا..

هذا الحرف الرّاعف ،في ليل مخيّمنا المتهدّم،
رغم حصون اللات ، ووهم مناة ،
وردّ الغزوة تلو الغزوة بالدعوات..
يعتمر بقلب الوطن هموم اليوم الآتي.
وليل مخيّمنا الداجي ، الساجي ، بفؤادي ،
لو فصّلناه ،اكتست الحقب عباءات ،
وعقالات ، وجلابيب، وأردية..
بطول خرائب أودية ،
ما اكتملت في نظم وسرد الحكواتي.

ففضاء فلاتي ،
فيه تمور ، تدور.. ،
التيّارات الحور ..
الساحر فيها والمسحور
الواضح منها والمستور ،
لأجل الآتي،
فبهذا التيّار الذاتي ،
وبهذا تنهش في ذاتي ..
وبهذا تكبر مأساتي،
وبذاك تكون براجماتي،
بيداغوجي ،
بيداجوجي،
ديماغوجي ،
أو توليدي..
أو تلفيقي..،
أو تجريدي،
ونشيدي النازف من عمق وريدي
يهتف ، ينزف،
ينزف، يهتف في البيد:
أين قصيدي ..أين قصيدي
مات الجدّ ..
وضاع الجدّ .. وغاب حفيدي.

مازال اللحن سكن..
مازال الشريان بدن..
نتلاحى،
نتهاجى ،
نتمادى ، نمتلئ إحن
نتباهى ،
نتشابى،
نتعابى ، نتغابى ..
لنكون دمى .. فنصير دمن .

صبرا الخرطوم ..
الخرطوم هموم وغيوم ..
وضباب معزّ قد ذلّ وطـن .
شاتيلا ، صنعاء ..
وصنعاء .. عدن .
البرج ، طرابلس ..
وبنغازي شـجن .
شنقيط ، الشط ..
الشطّ وسـن،
الوسن امتدّ...
الكرب اشتدّ...
الحرف ارتدّ ..
الصرح انهدّ ....
فكيف نكون ؟

نكون عيون الأرض الحبلى ؟
والحبلى من كانت أحلى ..
والأحلى من يدفع أغلى..
في الرتبة أعلى..
سبحان الأعلى ..
والقتلى بالمجان .

أيا قابيل ضاع لساني ..
وبياني اغترب وعنواني ..
والنبض تبدّد مثل الحرف..
فكيف تراني؟
أيا قابيل القابع فينا .. كيف تراني ؟
أيا إسماعيل فداك الله !
نعاج الذّبح اليوم ، بكل مكان ..
من عدنان .. من غطفاني ..
أو علماني ..أو شيطاني ..
جنوب لبنان ..
القاصي الداني ..الملك الجاني ..
الجسد الفاني..قميص عثمان ..
فكيف تراني أكون ؟
أيا حجاج .. أيا حلاّج .. أيا نيرون
أيا اسماعيل .. أيا قابيل كيف تراني ؟

التعب يهون ..
الوجع يهون ..
النزف يهون ..
الروح تهون ..
والحرف ..والحرف شقيق الروح ،
فكيف تخون الروح التوأم فيها ،
كيف تخـــون ؟

( يا أم أحمد ..
دقّي المحلب ..
في توب أحمد ..
أحمد غايب .. في الرّكايب ..)
هذا الأحمد، فينا ارتاب ..
ارتحل ، وغاب .
امتهن غياب الأمل ، وعــــاد
وجد الوطن ،عمارات ،وسفارات ،
وحكومات ،وإذاعات ،وجراحات ، ومطارات ،
بوّابات ، جنرالات ، إعدامات، فرمانات، وخيانات،
وخرافات، ومعاناة، وخلافات،
حول حدود الوحل ...

وجد الغربة طالت سعف النخل
وجد المدية غاصت .. حتى النصل.
وجد الشارب، وجد الحاجب،
وجد الناصب شسع النعل،
وجد الرافع سيف الجهل،
وجد الوطن ارتحل من التاريخ !!
تورّم فيه الحال ،وبات يدبّ بلا أوصال،
بين الشرق ، وبين الغرب ،
رئيس الحزب !مرض القلب !
السلب ،، النهب ،
وصوت العمدة والجنرال،
وأمر الوالي ، مذنّب هالي
( باتريس قالي).
وآل ... وآل .. ولآلي ..
ولآلي بضّ ، وخلخال ،
الصدر العالي،
الوضع الحالي،
الربع الخالي،
الباب العالي ،
وفال الفال .. بسؤالي
يرحل لمحال السّين وسوف ،
وسوف تسوّف ما سيكون .

طال الزمن الليل القمع ..
كذب الودع ..
ثقل السمع ،..
انطفأ الشمع ..
انفرط الجمع،
انفضّ الربع ..
اختلّ الطبع ..
والنبع الرابض فيه كلب كليب..
فيه اختلط الماء الدمع ،
فعاش الكلب..
وعاش كليب..
وساد العيب ..
انتفخ الجيب ..
فكيف نكـــون ؟

كان .. وكنتم ،
كنتم ، كنّا ..
أقوى منكم ، أضعف منّا ..
فينا .. فيكم ..
فيكم .. فينا .
ونسينا .. ونسينا ..
أن المدية تعمل فينا !!
أنّ اللعبة .. أنّ الغربة..
أنّ الكذبة أضحت دينا ..
الحرف الرّاعف ، بات سجينا ..

لا تتعجّب !! اكتب ،
لكن.. لكن اكتب ..
بعض الأسطر منها اشطب ..
أوضح معنى الحرف الأحدب ؟؟
هذا يعني أنك مذنب ..
هذا مذهب ..
إنك تكذب ..
إنك تلعب ..
بين الهمز .. وبين اللمز ..
بين الغمز .. بين الرّمز .. وحرف النون ..
أو تتلاعب.. بالألفاظ وبالمضمون.

وطني .. شجني ..
لغتي .. سكني..
روح الحرف بغير سكون ..
فيك ولدت ،
وفيك نشأت ، وفيك أكون .

فيك سلبت ، وفيك صلبت ،
بين العجز ... وبين الخبز
بين المخبر... بين المخفر،
بين الطلقة والزيتون..

جذع النخلة كان النطــــــع
لغة الزّيف كان الشّــــــرع
حـدّ السيف كان الوضـــــع
فكيف أكـــــون ؟؟

بتّ أعاند لغة الطفل .. الأصل ..
لغة النّصل ..
لغة الفصل ..
لغة القطع، لغة الوصل ، الهزل ،
ولغة الجدّ ، لغة الجنس ،
لغة الهمس، لغة العصر ،
بتّ أعاند لغة المـدّ ، ولغة الجزر،
لغة العدّ ، لغة الحصر،
لغة الحدّ ، ولغة الغير،
الضدّ ، النير ، الدّير ..
لغة الردّ ، لغة الطير ..
فكيف أكـون؟

أضحت ليلى إلسـا ،
والمجنون هو المجنون ..
نيرون تجدّد فينا ،
والسجّان هو المسجون..
دخل القصر ..
صعد العرش ..
احتلّ الكرسيّ الملكيّ تربّع عند السدرة ،
قال بصوت ناه آمـر :
ما شئت وما قرّرت يكــون .

وشاء بناء السور ، وسن الجور ،
على الدستور ..
وحجب النور..
هدم الدور،
صيدا صور،
والبيبور ، ودمنهور،
وذبح طيور كانت عند الفجر تناجي الله !
ويا اللـــه !! يا اللــــــــه
كيف تناسى..
أن الأرض تدور؟
النبض جسور؟
الأصل جذور ؟ الشعر شعور ؟
كيف تناسى ..
أن النغمة في الفلوات نسور؟
كيف تناسى ..
أن أديم الأرض لهذا الظلم يثور؟
كيف تناسى ..
أن المخبر .. والزنزانة .. والطابور،
شاهد زور في التاريخ .
أن الليل ، وسمّ الشهوة ، والأفعى ،
لمّا تسعى .. لمّا يطغى ..
غثاء أحوى ..
كيف تناسى ..
أن حبيب الرّمل، بدار القتل ،
حروف الفعل ..
بذور الثورة ..
نور الفجر، والتصحيح .
كيف تناسى ..
نار البركان تسابيح ..
تسبيح الأرض مصابيح ،
مصباح الوطن ، حروف الصدق،
الصدق الروح ، الروح الآن جريح..

تتشقّق هذى الأرض السفلى،
لمّا يصبح هذا الربّ بلا ذاكرة ..
والأرباب تحجّ لربّ تتريّ أبيض،..
في ثوب أبيض ..
في بيت أبيض ..
بلسان أبيض..
أجمل من ..
ورد بلادي الأبيض ،
والنيل الأبيض ، والبحر الأبيض ،
والأبيض ، وأبيّض ، والبيّوضة ،
والبيّاضة، والبيضا ، والدار البيضا ،
والبيض كثير في وطني ،
لا يفقس غير دجاجات بعباءات ،
وعقالات ، وعمامات بيضاء..

لم يفقس يوما ديكا ... ذا عرف ..
والعرف السائد بات هجينا ..
الحرف سجينا ..القلب حزينا ..
لم يفقس هذا البيض طبيعيّا..
لم يرضع هذا الطفل طبيعيّا..
والحرف لأجل الخصب يقاوم ..
والروح تقاوم ..
والطفل يقاوم ..
والنخل يقاوم ..
والنبض يقاوم ..
والجرح يقاوم ..
والنطفة في الأرحام تقاوم ..
ليلوح الصبح ، وينمو القمح،
السيف الرمح، الوطن السمح ،
يكون، أكــــون .
أكون ، يكــــون ..

نكون الرمل ، نكون الحمل ، نكون الشمل ،
النخل نكــون.. الفعل نكـــون
نكـــون المرج ، ومرجعيون،
عين الوادي ، ووادي العين،
عين بن تيلي ، عين السخنه ، عين السفره ،
نكون الجفره ، وعين فاكرون
نكون التاكا، والباروك ،
جبل حمرين ، جبل حرمون ،
والكاكوس ، والأوراس،
ورأس بناس ، وراس برباس،
وبير غندوس، والمحروس ، أبو فنطاس،
وراس بيروت ،
وراس النوف وراس لانوف .
نكون محال الوطن العاصي،
والحاصباني، والليطاني ،
ونهر الجوز، وبئر العطر ،
والزهراني ، والدامــــور .
نكون فرات ، ونهر حياة ،
ونيل الوادي ، ووادي النيل،
ووادي الهيل، وادي الجوف ،
وادي الباطن ،وادي الخير ،
وادي الكوف ، والنطــرون .
نكون حروف الوطن غدير،
نكون تهامه .. نكون عسير،
نكون الحدّ ، نكون السدّ، نكون المـدّ ،
نكون سيوف الوطن ..
الردّ نكون..
الغصن نكون ..
الحصن نكون.
ونكون العمق ، نكون البعد ،
نكون النفس، اليوم ، الأمس ، نكون ..

لن يهدأ هذا الهاجس ،
وفينا نبض الحبّ ، وخفق القلب،
ارتسمت فينا
طفولة قانا .. وعيناتا.. وعيتا الشعب..
دماء القاع، والغازيّة، وكفر كلا..
وعيتارون.. والشيّاح،
وبنت جبيل ومرجعيون..

لن يهدأ هذا الهاجس ،
حتى يعلن فينا :
أن لاح الصبح،
انتصب الصرح ،
انتصر الجرح ،
الجرح الغائر منذ سنين ..
لن يهدأ هذا الهاجس ،
منذ توغّل بين مسامّ التربة..
حتى يكتب فينا :
كيف نكـــــــــــون .

هناك 6 تعليقات:

  1. أهلا بسيد الحروف، ورب الايقاع، وشيخ المعاني، أستاذنا وحبيبنا عبدالرؤوف بابكر السيد إلى فضاء الشبكة العالمية ورحاب التقنية الافتراضية.
    كلي والله شوق إليكم وإلى لغتكم ... فلاتتأخروا عنا

    أخوكم وتلميذكم موسى علي ابراهيم

    ردحذف
  2. كما عودتنا دائما على الكمال البشري فأنت بحق كل الجمال ورمز الكمال وأهل للوصال فلنجعل تواصلنا متميز عبر هذه المدونة الرائعة امنياتي لك بالتوفيق والسداد
    ماجدة العبيد
    30 سبتمبر 2009

    ردحذف
  3. كما عودتنا دائما على الكمال البشري وأنت بحق كل الجمال ورمز الكمال وأهل للوصال ، فلتكن هذه المدونة عنوانا للتواصل ومرفأ للكلمة الدافئة والأبداع الشعري الجميل ، أتمني لك التوفيق وأنت تطل عبر هذه النافذة الكونيةوالفضاءالمفتوح لتملأ كل المساحات شعرا وابداعا وتواصلا
    ماجدة العبيد

    ردحذف
  4. عندما قراءت الوتريةوبعض اشعارك لمست فيك(الانسان) بكل ما تحملة الانسانية من معانى مثل:الشفافية, الايثارو انكار الذات والاحساس بالاخر, وعولمةالنفس كما لمست فيك (الشاعر) بهموم الامة وتردى احوال البشرية من (قابيل)الى الجيل المحدق فى الفراغ, كما لمست فيك(الابداع)في الصور البلاغية التى يرسمها لسان الشعر لديك او - شيطان الشعر كما يقولون- فلنطلق العنان للشياطين ولنستقبلها بالاحضان- طالما تنتج ابداعا شعريا يخفق القلب طربا لسماعة. ومع ذلك ليس الفتى من يقول كان ابى ان الفتى من يقول هذا اخى

    ردحذف
  5. بنبض الحرف .. وصدق الكلمة .. ووفاء العبارة .. وسيمفونية الاداء جعلت الرسم بالكلمات أروع من كل اللوحات .
    لك الشكر ..
    ولك الود .. والشوق المسافر فى الدواخل .
    فتحى بابكر

    ردحذف
  6. الشعر ذاكرة الأمة والشعر معين للانسانية الذي لا ينضب لأنه إن ذاب وتلاشى .. تلاشت وذابت معه القيم والأخلاق وبالتالي يذوب الإنسان فينا ، الشعر هو الشئ الوحيد الذي نتعاطاه خارج حدود الزمان وبعبارة أدق (لا تنتهي صلاحيته ) وأحيانا كثيراً ما تومض في سماء الأدب كلمات رشيقة بإمكانها أن تخطف الأبصار وكأنه برق بعقبه غيث يضئ لنا دروب مساراتها المظلمة .. ولأن السودان عريق أنجب من الأدباء والشعراء ما يجعله مفخرة أمام دول العالم فلك الشكر ايها الشاعر المبدع

    نادر

    نأمل زيارة صفحتكم الشخصية على هذا الرابط والتواصل معنا في انتظار المزيد
    http://www.facebook.com/group.php?gid=157974667670&ref=mf

    ردحذف