السبت، 19 ديسمبر 2009

أفريقيا بحروف أبنائها 3
الطقوس والعادات والمعتقدات الأفريقيّة :



* شاعرنا محمد عبد الحي فضّل أن يتعمّق في التفسير الأفريقي للحياة ، حيث نظر إلى " قضيّة الموت والبعث بالمفهوم الأفريقي ، ذلك أن الموتى عندهم يعيشون ، بمعنى أنهم يتحوّلون إلى " قوى روحيّة" وفي ضوء هذا يمكن الاتصال بين الخلف والسلف صعودا ورجوعا ، ومن لا حفيد له يكون قد مات موتا حقيقيا ، فطبقا للفلسفة الأفريقية يعتبر الموتى قوّة روحيّة مؤثرة في الأحفاد الأحياء ، ومن الملاحظ أنه حين يولد طفل لأحد الأحياء ، فإن عليه أن يقدّم شكره إلى أجداده ، ذلك لأنه في الحقيقة حصل على الطفل بفضلهم، ولا علاقة لهذا بتناسخ الأرواح ـ الذي يقول بدورة الأرواح في عدد من الأحياء ـ ذلك لأنه في أفريقيا يمكن للشخص الميّت أن يولد في أشخاص مختلفين عديدين مثل أحفاده "حول هذه الرؤية يعبر محمد عبد الحي فيقول :
. الليلة يستقبلني أهلي
أرواح جدودي تخرج من
فضّة أحلام النهر ، ومن ليل الأسماء
تتقمّص أجساد الأطفال
تنفخ في رئة المدّاح
وتضرب بالساعد
عبر ذراع الطبّال
الليلة يستقبلني أهلي:
أهدوني مسبحة من أسنان الموتى
إبريقا ، جمجمة
مصلاة من جلد الجاموس
رمزا يلمع بين النخلة والأبنوس
لغة تطلع مثل الرمح
من جسد الأرض
وعبر سماء الجرح .

* ويشبع محمد عبد الحي حرفه بهذه الأجواء فيقول :

بدويّ أنت؟
ـ لا
من بلاد الزنج ؟
ـ لا
أنا منكم : تائه عاد يغني بلسان
ويصلّي بلسان
من بحار نائيات
لم تنر في صمتها الأخضر أحلام المواني
كافرا تهت سنينا
مستعيرا لي لسانا ، وعيونا
باحثا بين قصور الماء عن ساحرة الماء الغريبه
مذعنا للريح في تجويف جمجمة البحر الرهيبه
أنا منكم كافرا تهت .. تغرّبت سنينا
مستعيرا لي قناعا وعيونا
وضلالا ويقينا وجنونا
أتغنى بلسان .. وأصلّي بلسان
.

* كذلك يدخل في نفس الأجواء الأفريقيّة شاعرنا النور عثمان أبكر حيث يقول :

مولود النبتة والصحراء
يتقطر وعدا ،حيا
يجرح شحّ الأرحام ويجتاز الأسوار
هبّت صارخة الجبهة والثديين
ما عار العري ؟ وما زهو المؤتزرين
خلدي مائدة العمر هنا
وقد الجمر الأزلي ، نداء المجرى
زهرا .. شهدا .. حقلا لفّحه الموتى
في موسم إيراق الذات وإخصاب الأحياء
.

* كما يسعى النور عثمان عبر إبداعه نقل صورة هذا العالم الأفريقي:

مولود النهر يدثره
ما صاغ الكاهن من أسرار
السلف الصالح والآتين
زبد المالح قرطا أذن
حول العنق فراء النمر
جمرة سحر في العينين
عليا الشفتين
لغز يضمره الغاب ويرقصه ريش الرجلين
شرر سوسنة السرّة، هذا العدو الأبديّ
على ثدي الأهوال.
مولود النبعة والصحراء
يتقطر وعدا .. حبا .

* وتظل نفس الصور الأفريقية يعايشها الشعر العربي وينقلها الشعراء العرب في قصائدهم ، فهذا محمد المكي إبراهيم في (ديوان أمّتي)يقدّم لوحة بها نفس الأجواء والملامح الأفريقية:

إن أجدادي يموتون غراما وطرب
وضعوا الساعد في الساعد
فالرمل انسحب
والنخيل انبثقت بين الجراح الصادحة
يا عبير الأضرحة
كيف جاوزت المشاوير إليّا
والمدى ما بيننا منطرح
والعهد طال
وبأيّ الأجنحة
دقّ أجدادي عليّا
وهمو بعد تناء وسؤال
ولماذا أيّها الأجداد
حتى هذه الساعة حولي تسهرون ؟
أيها الأجداد عودوا
ولنقل إنا تسامرنا طوال البارحه
بينما تنتثر الفضّة في السهل
وملء الأضرحة .

* تلك أهم الملامح التي تناول شعراء العربية بها أفريقيا ، حيث حملوها على عاتقهم قضيّة ، ورسموها لوحة وتغنوا بها ولها ، حزنوا لحزنها ، عشقوها وناجوها وحرّضوا إنسانها على التمرد والتحدّي والثورة ، توحّدوا مع طبيعتها ، إنها أرضهم التي عليهم أن يحرّروا كل شبر فيها وكل إنسان عليها .

* كما حرصوا على أن يسجلوا ثوراتها باعتزاز ، وحركات تحرّرها باعتداد ، ويجسدوا أيامها وأبطالها وقادتها بكل الفخر ، وكأنهم يجدون فيهم خطوات الخلاص لقارتهم ، والنور الذي يضيء العتمة التي خطها المستعمر بوحشيّة في تاريخ البشريّة.

* وهناك من توحّد مع معتقداتها وعاداتها وأساطيرها وخرافاتها ، أحبوها وكلفوا بها ، عشقوها وتغنوا بأهازيجها .

• إنها أفريقيا التي نسعى لوصل ما انقطع بين أبنائها ، شمال الصحراء وجنوبها، وتطوير العلاقات الثقافيّة ونقلها إلى مرحلة جديدة لرسم ملامح هذا الفضاء وإرساء علاقات التواصل والاتصال بين إنسانه عربا وزنوجا.

• وبطاقات شعرائنا الذين استعرضنا مشاعرهم عبر إبداعاتهم تقول
:

الشاعر محمد المهدي المجذوب ولد بالدامر شمال السودان، وهو من أسرة المجاذيب المعروفة بالعلم والتصوّف، تخرّج في كلية غردون(جامعة الخرطوم حاليا)، وصدر له أربعة دواوين هي: (نار المجاذيب) و(الشرافة) و(البشارة) و(تلك الأشياء).

• الشاعر النور عثمان أبكر ، ولد بكسلا شرق السودان عام 1938، وتخرج في كلية الآداب جامعة الخرطوم، عمل مدرّسا للغة الإنجليزيّة، صدر له ديوان(صحو الكلمات المنسيّة) وديوان(أغنيات للعشب والزهرة).

• و محمد المكي إبراهيم ولد في الأبيّض بغرب السودان، تخرج في كلية القانون بجامعة الخرطوم، صدر له ديوان (أمتي) وديوان(بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت).

• أما محمد عبد الحي فقد ولد في الخرطوم في العام 1942، وتخرج في كلية الآداب جامعة الخرطوم، وجامعة أكسفورد، حيث نال الدكتوراه ، صدر له ديوان( العودة إلى سنار) وديوان(وجهان في مفازة الفردوس). وترجم مجموعة من الشعر الأفريقي أسماها( أقنعة القبيلة).
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق