الاثنين، 21 ديسمبر 2009

دراسات في شعر المرأة الأفريقيّة
(3)
(هموم الوطن)


فوق هموم المرأة الذاتية التي فرضتها عليها الطبيعة والتي أحبتها وأعلنت عنها عبر إبداعاتها، مبرزة خصوصيتها في المعاناة حملا ومخاضا وإنجابا وسعادة غامرة وتواصلا.. فوق كلّ ذلك تخوض المرأة الأفريقيّة وبجرأة كبيرة عالم السياسة، وتقتحم عالم النضال الوطني قبل خروج المستعمر وبعده.. إنها تثبت بذلك أنها عنصر جريء فاعل في الوطن، لها رأيها ولها دورها وفعلها حاملة أبناء الوطن في جوفها وحاملة هموم الوطن في صدرها.
هذه شاعرة أفريقيّة من نيجيريا تدعى (آفي أماديوم) تقود حملتها السياسيّة ضدّ العسكر الذين يقفزون كلّ يوم إلى كرسيّ الحكم، والشعب مستلب ، مقطوع اللسان، فالسلطة لهم والثروة لهم والسلاح بأيديهم، أمن أجل هذا تحرّرنا من المستعمر وقدمنا التضحيات كي يبدأ الصراع من جديد بين أبناء الوطن الواحد..
. والشاعرة النيجيريّة (آفي أماديوم) تعيش حاليا وتعمل في إنجلترا، ظهرت قصائدها في ( أوكيك، غرب أفريقيا والخط الأمامي) بالإضافة إلى عدد من الصحف والمقتطفات الأدبيّة..
ديوانها الشعري ( موجات عاطفيّة) نشر بلندن عام 1986 ، وحصلت على جائزة الشعر للخطوط الجويّة البريطانيّة (كمونويلث) لعام 1986.
كما نشرت أيضا ( بنات الذكر أزواج الأنثى) عام 1987، وهو كتاب حول ثقافة الإجيو..
تقول (آفي أماديوم) في قصيدتها " فقدنا حتى ألسنتنا" معرّية لحال الشعب الذي لم يقبض على سلطته بعد ولا على قوته بعد مصوّرة حال المواطن كيف كان يعيش ، وكيف يعيش الآن، حتى الوجبات التي يقتاتها تصفها في ألم ( غليان لأوراق الشجر، الحبوب الحارة المبخرة المطبوخة، والذرة المتخمّرة، ودخن العصيدة.. إنه الأكل الشعبي المعتاد، الذي كانت توفره قليل من السنتات):

انظروا
أوه، أفراد بلا قلوب
انظروا، إلى موتانا
كان هناك وقت
حين – من أجل سنتات – ملأنا بطوننا
كرات أكارا
موا موا
ملفوفة بنعومة
من أوراق الشجر طازجة ومغليّة
حبوب حارة مبخّرة
مطبوخة بالبهارات
وزيت أحمر
ذرة متخمّرة
دخن للعصيدة
كسرنا صيام الليل
من أجل سنتات
الزوجة المعقوفة
المرأة العجوز
أمهاتنا لم يعدن يجدن ذرة، بذور درن للطبخ،
للبيع..

وصباح كل يوم في رتابة يجري أطفال المدارس في الشوارع حاملين ألواحا سوداء في أياديهم.. فإذا بالجنود والعسكر المسلحين والمدربين على الضرب لمواطنيهم يملؤون الشوارع، ليظل الصمت سيّد الموقف.. إنهم حكام بلا قلب..

لا مزيد من منظر الصباح الأوّل
المبهج لأطفال المدارس
يجرون في شذر – مذرٍ
أواني طعام مبخرة
أو ألواح سوداء في أياديهم
الزي الرسمي لا يزال يملأ الشوارع
وجوه قاسية
عيون قلقة
إنهم جنود مسلحون
مدربون على الضرب
جياع .. لا شيء..
انظروا
أوه، حكام بلا قلب..

من أين جاء هؤلاء الحكّام؟ من نصّبهم علينا؟ لقد ذهبنا إلى صناديق الاقتراع في خدعة كبيرة فخسرنا كلّ شيء ، كلّ شيء إلاّ أفواهنا..

انظروا إلى شعبنا البائس
اليوم ذهبنا إلى صناديق الاقتراع
فزنا باللا احترام
نحن نخسر، نخسر
نخسر كلّ شيء
إلا أفواهنا
نستطيع أن نلعنهم
نستطيع أن نلعن الأرض
نستطيع أن نلعن اليوم
الذي وجدوا الزيت فيه..
بما أننا نشأنا
أكثر بأساً من الجوع والعطش
فها هم
صور خياليّة
على أقمشتهم المقصّبة اللامعة
عباءات حريريّة زاهية
غدت أكثر إتقانا ووضوحا
كذلك أيضا حكايات عن مزيد من الزيت
الذي يبيعونه
مثل حفلات تنكريّة مروعة عظيمة
طالبوا بالشوارع
حقا
كل مكان محترم لأنفسهم
بينما شعبنا
أصبح كالح الوجه
ذي شفة مربوطة
مشاهد عن بعد
ننتظر، ننتظر، وننتظر..

وتختم الشاعرة قصيدته التحريضيّة، بصورة الجنود والعسكر الذين جرّدوا المواطنين من كلّ شيء حتى الألسنة التي كانوا يحتجون بها.. ويحتمون ولو بالصيحات والصراخ بها.. إنه الجوع والعطش.. إنه مصادرة الحريّة .. إنه الموت..

الجنود أتوا
ما زلنا لا نملك شيئا، شيئا، شيئا..
الآن فقدنا حتى ألسنتنا
قطعت بالحواف الحادة لقماش الكاكي
متيبّسة بعصير ذرتنا، درّنا
انظروا، أوه
ديكتاتوريّن بلا قلب
الشعب يموت
يموت من الجوع
يموت من العطش..

كم كان المواطن الأفريقي يأمل في تجديد حياته، وفي إثراء غذائه، بعد نضالاته المريرة ضد المستعمر.. وها هو اليوم يفقد حريته من جديد، عن طريق أبناء وطنه من العسكر الذين جيّروا خيرات البلاد وثرواتها لصالحهم، قمعوا المواطن البسيط، وحرموه من تحسين وضعه المعيشي، بل حتى من كلمة احتجاج أو صيحة ضد الظلم الذي يشعر به ، والاستبداد والطغيان الذي يضيّق عليه.
كم هي قاسية تلك المعاناة للمرأة الأفريقيّة التي ترى في نفسها حاملة لهموم الحمل والمخاض وآلام الولادة والتربية ، راعية لأبنائها فرحة بهم وهم يتجهون إلى مدارسهم، فإذا بالمشهد الدكتاتوري الذي يحرمهم من الاحتجاج على الظلم.... يتعلمون وهم جياع، وحين يرغبون في الاحتجاج تقطع ألسنتهم.. والهموم التي تحملها المرأة الأفريقيّة لا تنتهي..

.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق