الأحد، 20 ديسمبر 2009

أفريقيا بحروف أبنائها 4
ويلي سوينكا
  عبدالرؤوف بابكر السيّد


• من نتحدث عنه اليوم هو الأديب الحائز على جائزة (نوبل)، والذي يعدّ ظاهرة استثنائيّة، غزير الإنتاج، وغني الأداء، إضافة إلى المسرحيات والروايات والقصائد والمقالات والترجمات.. إنه المبدع الذي استقى بعناية من كلتا الثقافتين: ثقافة اليوروبا والثقافة الغربيّة، وببراعة استوعب تراجيديا وكوميديا الحالة الإنسانيّة.
• وكمدافع عن حقوق الإنسان كان دوما جريء الصوت من أجل العدالة والحرّية ونهاية الاستبداد. لقد خاطر بحياته مرّات ومرات ليبيّن المبادئ الأخلاقيّة التي تؤسس لقيم الإنسان ، سواء في موطنه نيجيريا أو في العالم كله.
• إنه مؤلف مسرحي، وممثل، ومخرج، وشاعر، وروائي، ومترجم، وناقد، ومحاضر ... بروفيسور ( وولي شوينكا) سنحاول قراءته والتعرف عليه ، كأحد أهم أعلام أفريقيا، ومن أغزرهم إبداعا وعطاء.
. • نتابع الحوار الذي أجراه(هاري كريسكي) من معهد الدراسات العالميّة، بيركلي.وقمت بترجمته تعميما للفائدة ... حيث بدأ معه بسنوات الطفولة التي جسّدها(شوينكا) في رائعته (إيك.. سنوات الطفولة)،
• حول سؤال له عن القيم والعبر التي زوّدتها به الطفولة، وبرزت أهميتها لدى (شوينكا) الراشد؟ يجيب (وولي شوينكا):
• لعلّ أهم مازوّدتني به الطفولة هو الثقة بالنفس، ولا أدري إذا كانت تلك الصفة إيجابيّة حقّا؟، لأنها كثيرا ما أذاقتني تجارب قاسية، أحسب أن الإنسان حينما يعتقد بإيمان راسخ في قضيّة أو رسالة مّا، يترتّب على ذلك تلقائيا تنامي ثقته بنفسه، وتقوّي شكيمته سعيا وراء الهدف المنشود.
من أين اكتسبت المهارة والثروة اللغويّة؟
• أظنّ أنه ربما جاءت من عائلة ممتدّة من صيّادي الكلمات، وبذلك أعني امتداد عائلتي، وهي كبيرة جدا ، أتذكر أنني دوما كنت محاطا بأعمام وعمات وأخوال وخالات، وكان والدي وأصحابه المثقفون في مجموعهم بارعون في السرد بطريقة أو بأخرى، إنهم يسردون قصصا وحكايات تنطوي على نزاعات ومعارك شاركوا فيها.. لقد نشأت في هذا المناخ الذي تشكل فيه الكلمة جوهر الثقافة.
ماذا كان إسهام والدتك؟
• من غير ريب كان لها إسهام كبير، لقد كنت أسميها(مسيح البرّية) إنها كانت تعرف قصصا كثيرة ذات طابع ديني كما أظن، ولكنها أيضا نشأت في مناخ تمتزج فيه الأسطورة بالواقع، لذا فهي أيضا لديها ما تقول.
في كتابك (إيك) سنوات الطفولة.. هناك تلاقح إلى ما بين عالم أمك والعالم الذي جلبه المستعمر.. عالم رجال الدين والأساقفة والقساوسة، والمدافع وما إلى ذلك. وتجدر الملاحظة أن هنالك نوعا من التواصل بين هذه العوالم.. ما تفسير ذلك؟
• كنت مطوّقا بالكامل ومغمورا بسيماء ثقافة اليوروبا ومعطياتها.. حتى المسيحيين وجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل بشكل ما مع الثقافات الوثنيّة .. على سبيل المثال: وجد أحد أعمامي ـ سعيا للتواصل ـ أن أفضل رهانه في أن (يدوزن) الغنائية المسيحيّة في ضوء اللحن الوثني التقليدي، هذا الأسلوب يجعل الإحساس بالغربة ليس عميقا، والمسافة ليست كبيرة بالإضافة إلى أنك متواصل مع السلفيّة، تمرّ عبر شوارع (أبويجا) قاطعا أمام الكنيسة، متسئلا عن دلالتها، ماذا تعنى؟ ماذا يفعلون؟ فأنا فضولي جدا ، وإذا تذكرت من سنوات الطفولة .. كيف نشأت، كيف كنت أركب الحفلات التنكريّة بحيث تتطابق الأقنعة نفسها مع الأشكال القديسة المصبوغة على زجاج نافذة الكنيسة، لذا كان هذا الانصهار الدائم في الوصف والتصوير الحي، ولم أجد تناقضا بينهما.
كتابك (ذكرى طفولة) كتب بقلم راشد، وكل من يقرأه يؤخذ بانزياح ذهنيّة الطفل في العمل، البراعة في الترابط الذهني للأشياء، كمثال ، لقد أشرت إلى القانون الكنسي، فأدهشني تصويرك منزل المستعمر مع المدفع الذي أمامه، حيث ربطته مباشرة برجل الدين الكنسي..إلى ما إلى ذلك.. هل يظل الطفل جزءا هاما في إبداعك حتى اليوم؟
• آمل ذلك وأتوقعه، ذلك الكائن _ أعني الطفل ـ لديه جاهزيّة ربط الأفكار وتداعياتها.. خاصة إذا كانت تلك المعاني مثارة بصوت الكلمات.. إنها مهارة، كما أعتقد ينبغي أن يتحلّى بها كل الكتاب والشعراء على نحو ما. بالطبع .. الكاهن ساعدنا كذلك بامتلاك رأس يشابه المدفع.

القارئ يفهم من نتيجة وصفك كيف تبدو مهمة الكاهن، الكتاب محشوٌ
بمشاهد غامضة لشخصيّات ثريّة، ـ أنا غير راض لأسألك عن هذا ! لكنني سأفعل على أية حال ـ هل هناك شخص يقف وراءك كمعلم خاص عندما كنت طفلا؟
• لست متأكدا تماما، لا أعتقد ذلك، ربما إذا كان هناك بعض الأشخاص فهو معلمي الأول السيد(ليجبيرجو) أكثر معلم أتمثله كشخص يزخر بتدفق الحياة والمعرفة والمتعة والكفاح والحوار والجدل .. لقد كان المعلّم الذي منه تعوّدت أن أكون كما هو متوقّع.. إذا لم أشأ الذهاب إلى البيت أبقى معه. وقد وثق مبكرا بي، شجعني في فصله، وكان فصله أول ما التحقت به حينما بادرت بأخذ نفسي إلى المدرسة. وفي منزله استمتعت بال(ميديان) وهي وجبة تقليديّة. كذا رافقته والكتب مع ال (ميديان) والخضروات مع المعرفة عموما والحوار والمجادلة، لأنه تعوّد أن يكون محاورا يملك الحجّة مع والدي. لذا يمكن القول إذا كان هناك من شخص فهو الرجل الذي كان بمثابة الخيط الرابط لأنماط تنوّع المعاش التي صنعت شوينكا الراشد.
أنا ابتسم لأننى استدعي من كتابك (ذكرى طفولة) بداياتك المدرسيّة، فأجدك في غضون يوم واحد، بعد قرارك الذهاب إلى المدرسة، أنك تبعت أختك والتحقت معها بالصف.
• هذا صحيح !
ما هي الكتب التي شكلت معظم روافدك طفلا؟
• لا أدري ، فقط أستطيع أن أخبرك ماذا قرأت .. وقرأتهم ببساطة لأنهم هناك .. أنا أتذكر أن أبي لديه مجموعة ديكنز(شارلز ديكنز) أذكر جيّدا كان لديه بعض المختارات الأدبيّة من الشعر، إنه يقرأ القصائد مثل(تينسون). أتذكر بعض المجموعات الشعريّة، إنها شديدة الصعوبة من هذه المسافة. ولكنني فقط قرأت ما كان هناك، لذا فمن الصعوبة القول ما هي روافدي ..

من مسرحيّة (الأسد والجوهرة)

هذه (سيدي) حسناء القرية التي يتنافس على حبها(لاكونلي) المدرس الشاب، وشيخ القرية العجوز(باروكا).
المشهد يدور صباحا عند حافة السوق التي يحدّها جدار المدرسة.. تظهر (سيدي) وعلى رأسها (دلو) صغير مملوء بالماء. وما أن تظهر علي المسرح حتى يظهر وجه(لاكونلي) من نافذة الفصل، والأولاد ينشدون عمليات الضرب المعروفة.. يترك (لاكونلي) الفصل فور رؤيته للمحبوبة، ويهرع إليها.

لاكونلي: دعيني أحمله عنك.
سيدي : كلاّ
لاكونلي: دعيني ( يمسك بالدلو فيتساقط بعض الماء عليه)
سيدي : (سعيدة) هاك برّد آلامك، أليس عندك خجل؟
لاكونلي : إليكِ ما قالته القدرُ للنار: أليس عندكِ خجل ، أفي مثل سنّكِ تلعقين
قعري؟ .. ولكنها انتشت بالدغدغة أيضا.
سيدي : الدرس حافل بالحكايات هذا الصباح، والآن إذا كان الدرس قد انتهى
فهل آخذ (الدلو)؟
لاكونلي: كلاّ، سبق أن قلت لكِ ألاّ تحملي أثقالا على رأسك. ولكنك عنيدة مثل
جدي جاهل. هذا الأمر يؤذي العمود الفقري، ويقصّر عنقك. حتى
أنك سوف تفقدين عنقك في القريب العاجل. أتحبّين أن تظهري
مسحوقة بلا عنق؟ كما يظهر الناس في رسوم تلاميذي؟.
سيدي : لماذا يقلقني هذا؟ ألم تقسم لي أن مظهري لا يؤثر في حبّك؟ لقد قلت
لي بالأمس وأنت تجرجر ركبتيك في التراب :
سيدي، لوكنت محنيّة أو بدينة، وكان جلدك محشرفا مثل ...
لاكونلي : كفى ! كفى!
سيدي : إنما أردت أن أعيد ما قلته أنت.
لاكونلي: نعم ، ولن أتنازل عن كل كلمة قلتها، ولكن هل من الواجب أن
تستغني عن عنقك لهذا السبب؟ سيدي، هذا شيء لا أنوثة فيه،
فالعناكب وحدها هي التي تحمل أثقالا مثل ما تفعلين.
سيدي : (بعجرفة ، وهي تكشف عن عنقها)
حسنٌ .. هذا عنقي، وليس عنكبوتك.

متى عملت أو قرّرت لتصبح كاتبا ؟
• لا أعتقد أنني قررت مطلقا شيئا كهذا، اعتقد أنها فقط نمت شيئا فشيئا، عندها تحققت من أنه ربما ذلك ما أردت فعله أكثر من أي شيء آخر. لا أعتقد أنني اتخذت قرارا ثابتا بشأنه.
كيف تكتب؟ هل هو كفاح طويل بدءا من الإنتاج إلى أن يظهر للعيان
• الذي أستطيع أن أخبرك به، هو أنني لست كاتبا ممنهجا أو نظاميّا، أنا لست من أولئك الكتاب أتعلم كيف أنهض باكرا، يضعون قطعة من الورق على آلتهم الكاتبة ثم يبدءون بالكتابة. لا أستطيع أن أفعل ذلك. أستطيع أن أكتب أياما بكاملها لا أحتاج لفعل أي شيء آخر.. وفي أوقات أخرى أكون في حالة كمون، أخمّر فكرة وأطوّرها في ذهني تدريجيا. وأرى حالة الكمون على نفسي بقدر من الأهميّة كحالة الكتابة الفعليّة على الورق.
ماهي رؤيتك حول المزايا الأساسيّة التي تجعل من الشخص كاتبا؟
• أن يفرق الإنسان نفسه في خضمّ متنوع من الخبرة والظاهرات، بعبارة أخرى القدرة أن يهب أو يرهن الإنسان وعيه وإحساسه لمظاهر الحياة من حوله، إنها أساسيات عمق التفكير..
قبل أن نتحدث عن المسرح أود أن أسألك، ماهي الصعوبات والتحديات المختلفة التي واجهتك من خلال تعاملك مع الأنواع الأدبيّة المختلفة؟ أم أنها سيّان أنت شاعر وكاتب مسرحيّات وكاتب روايات وكاتب مقالات .
• أولا وقبل كل شيء أود أن أقول إنني أجد نفسي بقوّة في المسرح. حتى لو أنني دخلت مسرحا خاليا دون أن أفعل شيئا، هناك شيء عن المسرح يجعل أصابعي تهتز للكتابة. ربما لأنني جئت من مجتمع غني تمزجه الأعراف والعادات والمعتقدات، ولقد رأيت في طفولتي الأشكال التقليديّة للمسرح، ومنحتني معان منطقيّة للتعبير عن بعض تفكيري العميق القائم على الحدس، إذ أردت ربط خبرتي المادية ببيئتي المحيط. ولكن هناك بعض الخبرات والتي هي باختصار في ثوابت التصميم والتنميم، ذلك أن القصيدة تأتي نتاجا منطقيا لها في صياغتها، وبالتأكيد غالبا ما يتطلب ويحتاج الشكل المقالي إلى جدليّة .. الرواية بالنسبة لي صدفة.. أنا حقيقي لا أعتبر نفسي روائيا . عندما أتذكر أولى رواياتي (المفسّرون) إنها جاءت نتيجة إحباط، بينما عندما أكتب مسرحيا أشعر بمتعة وتوقّد ذهني.
لقد قلت إن المسرح أغنى تلك النصوص، إنه الأكثر ثوريّة بين الفنون. ماذا تعني؟
• ببساطة لأنه الأجدى إلى إحداث تحولات نفسية، إنه يتغيّر دوما، ويستجيب للمناخ السائد. فهناك جوهر ديناميّ للمسرح يتكشف من خلال علاقة المسرح بالبيئة الاجتماعيّة أولا والتي تصبح مادّة العرض المسرحي، ثم جمهور النظارة.. طبيعتهم .. أمزجتهم .. المكان.. التفاعل في تبادل المواقع بين جمهور المشاهدين وخشبة المسرح، حيث إن فعالية الأداء ليست أبدا متساوية، فالمسرح يستجيب فوريا. وبقدر أسمى (مسرح الغوريلا) على سبيل المثال يستجيب فوريا، يطلق عليه البعض المسرح الحي وآخرون يدعونه مسرح الصحيفة، وأيا كان مسرح الشارع فإنه يحقق استجابة فوريّة مع الأحداث ومع تغيّر نسق الأحداث ، إنه يستجيب لديناميات كل حالة.
هناك التوتر بين الممثلين على خشبة المسرح وجمهور النظارة. من أين يأتي الأمل في إحداث نوع من التحوّل؟
• تلك منطقة غائمة حيث تتواصل خطوط قوى التفاعل بين الطرفين. أعتقد حقيقة أن ذلك يخلق سحر المسرح.
وبالنسبة لك ـ دعنى آخذك مثالا ـ لقد قلت بأن المسرح أكثر أشكال الفنون اجتماعيّة. ماذا تعني بذلك؟
• دعنا نأخذ التشكيل مثلا.. أنت تذهب إلى صالة العرض فتحدث لك استجابة للأعمال الفنية في صالة العرض، ولكنه تأثير واحد في آخر(تأثير اللوحة فيك). نعم يمكنك أن تناقش اللوحة مع متلق آخر بالقرب منك أو فيما بعد وذلك أمر عادي، في هذا المعنى توجد دلالة اجتماعيّة لهذا التواصل الفردي بين اللوحة الزيتيّة والمتلقي، نفس الشيء حينما تستمع إلى أوكسترا. هناك نوع من الاستغراق بين كل الأفراد بمستويات من الانفعال مختلفة ومن الاتفاق في الاستجابة. ولكن المسرح لسبب طبيعته يكون لكل من النص والإيحاءات وتعدّد وسائل الاتصال قاعدة أوسع للتواصل مع المشاهدين. لذلك أعتبره أكثر أنواع الفنون اجتماعيّة.
لقد قلت مبكرا اليوم في حديثك مع الطلاب بحرم الجامعة إنك ترى أن رسالة المسرح الاجتماعية تتأتى على نحو أفضل حينما يكون الجمهور راغبا ومهتما.
• نعم ليس هناك تساؤل حول ذلك. أنا أميّز بين المسرح كتربية اجتماعيّة، والمسرح كتسلية بالتساوي مع البحث عن التجربة والعاطفة كما هو الحال بالنسبة لمسرح برودوي( Broad way)ووست إند (West end ) حيث تقدم أعمال مكتملة بالنجوم وومضات العبقريّة والخبرة الفذّة الحقيقيّة.. أنا أميّز ذلك عن المسرح الذي ينبثق من الجمهور ويعود إليهم يأخذ مكانه بينهم، وهناك أشكال متعددة لذلك على سبيل المثال يوجد المسرح حيث تساهم شريحة من الجمهور بفصل أو عرض مّا وهي عروض تخضع للتطوير إما بواسطة فرقة أخرى أو بواسطة فرقة عريقة بالنسبة للجمهور. وهناك نوع المسرح الذي أصفه ب( مسرح الغوريلا) حيث تقوم الفرقة أو مجموعة معيّنة بدراسة بعض المشكلات الاجتماعيّة ثم تتم الاستجابة لتلك المشكلات والانحرافات الشاذّة مسرحيّا. أحسب أن هذا النوع من المسرح يسهم في عمليّة التغيير والتطور على نحو أفضل، ربما من مسرح(برود وي Broad way ).
لقد كنت منذ عهد قريب في (جامايكا)، وكنت تعمل مع الأطفال المشرّدين على طول الخط الذي كنا نتحدث عنه.
• نعم إنها واحدة من أسعد الخبرات التي اكتسبتها منذ أن نفيت عن الوطن.وقد كانت أكثر الفترات خصوبة في الإبداع والخلق، والحوار الداخلي الخلاق، حيث أعجبت إعجابا عظيما، واكتسبت ما لم أكن أتوقّعه، لقد ذهبت لإدارة فرقة مسرحيّة في جامايكا، إنها فرصة إقتنصتها لأنني أعرف(كينغستون) جيّدا. لقد درّست في الجامعة كزائر على نحو دوري، لم أكن بأية حال مدركا للتشابه العميق والمدهش بين الأطفال المشرّدين في صعوبة الفهم كما نقول، حرمان الصبا ـ دعنا نقول ـ ولأطفال المشرّدين في (كينغستون)، لذا فقد قمت ببعض الأشياء التي سبق وأن استخدمتها في نيجيريا.

• لقد تحدّثنا عن الحقيقة والمجتمع وإمكانيات التحوّلات التي يؤديها المسرح ماذا عن علاقة السلطة بالحقيقة؟
• حسنا، في البدء بالنسبة لي هناك تضاد بين الحقيقة والسلطة، وتنافر بينهما، ومن الصعوبة أن يتم تجاوز هذا التناقض، وأستطيع أن أحدّد في الواقع وأبسط تاريخ المجتمعات الإنسانيّة، إن تطوّر المجتمع الإنساني نتاج الصراع بين السلطة والحرّية، سواء أكان جوهر هذا الصراع منظورا إليه من منطلقات أيديولوجيّة أو منطلقات دينيّة، فهي في الحقيقة سلطة متضادة. والحقيقة بالنسبة لي هي الحرّية، إنها غاية في ذاتها، السلطة هيمنة وسيطرة، وبسبب ذلك فهي نوع خاص ذات طبيعة انتقائيّة للحقيقة ، إنها أكذوبة أو حقيقة زائفة تكون موضوعا لها.. والاستقطاب الكامل بينهما في الحقيقة يشكل بالنسبة لي محور النضال الإنساني من أجل خلق مجتمع وجمهور أخلاقي..
أعمالك ناشطا سياسيا ومقالاتك ودفاعك عن حقوق الإنسان، أخذت جل اهتماماتك قبل تفجّر الحرب الأهليّة في (بيافرا) . بمساعيك للحيلولة دون حدوث الصراع، أصبحت سجينا سياسيا في نيجيريا لمدّة عامين، لقد سردت تلك القصّة في كتابك المسمّى (مات الرجل) من أين جاء ذلك العنوان؟
• العنوان جاء مباشرة من تلغراف أرسل إلي .. الرجل الذي مات ضحيّة لوحشيّة العسكر كان سببا داعما لعدد من الحالات التي توضح تحدّيات وخروقات السلطة على كرامة الإنسان، وهذه الحالة نفس الوحشيّة، إنها حكومة عسكر، وبعد نفيي وإبعادي قسرا عن الوطن، كتبت الكتاب، وكنت أنظر إلى العنوان، لقد أرسلت سائلا عن معلومات حول ذلك الشاب، فجاءتني برقيّة بعنوان" مات الرجل" فتراءى لي أنه ملائم للكتاب الذي كنت أعدّه في ذلك الوقت حول تجاربي في السجن.
ما هي الخبرات والتجارب التي علّمتك إيّاها فترة السجن؟
• عدد من الإمكانيات اللامحدودة، لقد بقيت معزولا لمدّة عام وعشرة أشهر عقب الفترة التي قضيتها في السجن والتي تجاوزت العامين. أعي تماما حقيقة الجهود التي بذلت لتدمير عقلي.. لأنني حرمت من الكتب والكتابة، حرمت من الرفقة الإنسانيّة. أنت لاتعلم كم تحتاج إليها حتى تحرم منها.. أنت تقول لنفسك عندما تكون حرّا كيف تفقد الأمل، وأنت في عزلتك تحب أوقات العزلة، بل أنت تسعى إليها، وتجد عددا من الطرق لتبقى مع نفسك، إذن يمكنك أن تفعل ذلك متى أردت مع نفسك وعقلك. ولكن عندما تحرم منها لفترة طويلة، تعرف قيمة الرفقة مع الآخرين.
ما هي أهم ما أخذته بعين الاعتبار من ذلك؟ أو ما هي الاستراتيجيات المختلفة التي استخدمتها للبقاء على قيد الحياة؟
• بقيت قادرا لاستئناف الإبداع بوسيلة أو بأخرى. بقيت حيّا لاستعادة مساحات من المعرفة.
هناك لحظة حرجة متحركة في الكتاب ، عندما أخطأت امرأة شابة حلّت مكانك في زنزانتك لفترة قصيرة، وبنفاذ بصيرتك، كيف كانت رؤيتها لك كحارس أو كأيّ شخص من نزلاء السجن.؟
• رأتني إلى جانب الأشرار.
إلى جانب الأشرار .. حدّثنا لو سمحت ماذا حدث بعد .. لأن هناك لحظة تحتاج إلى التمييز بين دورها ودورك.
• كان ذلك قبل أن أودع السجن بشكل رسمي، كنت مازلت تحت الاستجواب، لذا فأنا في الزنزانة، وعندها ألقيت في زنزانة الشرطة معي.. كانت حقيقة حجرة احتجاز .. في البدء كانت مرتابة، لقد اعتقدت أنه ربما كنت مجرد جاسوس ، مخبر، لم تكن تتوقع وجود أي شخص في تلك الحجرة، لم تدرك أنني نفسي تحت الاستجواب. ولذا فقد كانت أكثر انزواء وأشد ارتيابا، وفجأة ألقت بنظرها فرأتني مكبّلا بالقيود، كنت أرزح في الأصفاد، لذا بدأت تدريجيّا للمرة الأولى تستحضر نفسها لتنظر فعلا إلى أعلى وتنظر إلى وجهي، وتتعرف علي.. لقد كانت لحظة ساحقة وذليلة، لأنها ألقت بنفسها بعد ذلك عند قدميّ وبدأت في البكاء.. لقد تذكرت حادثة المسيح. المرأة غسلت أقدامها بدموعها بعد أن كانت مرعوبة. والآن عادت قويّة لأنني أصبحت عزاء لها، وأعدت لها الطمأنينة، وفي المقابل اكتسبت القوّة، لقد عدت قويّا جدا لها، ولأي شخص في حالتها، ومن ثم فقد اكتسبت ـ أنا نفسي ـ القوّة . وجعلتني أكثر صدقا في ذلك اليوم مما كانت تظنّه.
كيف أثرت خبرات السجن فيك كاتبا عندما أطلق سراحك؟
• صعبة جدا، لقد عملت في كل الاتجاهات التي سلكتها.. أولا عندما خرجت ـ تحدثت كما الآن عن هذه الحاجة للرفقة مع الآخرين، ولكن بعد ذلك تذكرت ـ بعد مضي أيام قلائل ، لم أستطع إقامة علاقات كثيرة، لقد أضحت كثيرة عليّ. فلم أستطع الانتظار حتى ذهبت بعيدا، وعزلت نفسي في مكان ما.. لحسن الحظ كان لي صديق لديه مزرعة في قرية صغيرة جنوبي فرنسا، وحقيقة لم أجد أية طمأنينة.. لم أجد أيّ أمن للإبداع.. أيّة إمكانيّة للخلق ، حتى أمضيت عددا من الشهور مع نفسي في تلك المزرعة حيث كتبت مسرحيّة، لقد كتبت مسرحيّة(ماجنات أوربا)، ثم بدأت ثانية الكتابة ، ولكنني لم أجد استجابة أو قدرة ، فعزفت عنها لبعض الوقت.

• ولد (وولي شوينكا ) عام 1934 في إحدى قرى غرب نيجيريا لأبوين من شعب اليوروبا.
• درس بجامعة (أبادان) ثم بجامعة (ليدز) البريطانية ، حيث أقام في بريطانيا خمس سنوات(54 ـ 1959) عمل في آخرها بمسرح البلاط الملكي كمؤلف مقيم، أي فاحص نصوص. وفي تلك الأثناء شرع في كتابة مسرحيّتين قصيرتين هما( سكان المستنقع) و (الأسد والجوهرة) أخرجهما المخرج البريطاني جيفري إكسورثي في (إبادان) عام 1959.
• في العام التالي حصل على منحة من مؤسسة روكفلر الأمريكيّة، وعاد إلى بلاده لدراسة الفنون المسرحيّة الأفريقيّة، ثم عمل محاضرا بجامعة (إبادان)، وأنشأ فرقة أقنعة1960 المسرحيّة. وفي العام 1963 عيّن رئيسا بالنيابة لقسم اللغة الإنجليزيّة بجامعة (لاغوس) وأنشأ فرقة (أوريزون) المسرحيّة في العام التالي.
• في العام 1965 تعرّض شوينكا للاعتقال، ومع أنه أثبتت براءته فلم يخل سبيله إلا في أواخر ذلك العام، وفي العام التالي فاز بجائزة مسرحيّة بريطانيّة بالاشتراك مع الكاتبين(طود ستوبارد)و(جون وايتنج).
• في العام 1967 عيّن مديرا لمدرسة الدراما التابعة لجامعة(إبادان) ولكنه اعتقل مرة أخرى قبيل تسلمه المنصب الجديد. وكان الاعتقال هذه المرّة بأمر الحكومة الاتحاديّة بتهمة القيام بنشاط موال لبيافرا خلال الحرب الأهليّة، فدام اعتقاله أكثر من سنتين حيث أفرج عنه في 26 أكتوبر 1969، فعاد إلى وظيفته ، وظلّ بها حتى استقال عام 1972، بعدها غادر البلاد.
• تنقّل بين أوربا وأمريكا وأفريقيا محاضرا في جامعاتها ومحرّرا لمجلة(الانتقال) الأدبيّة بعد انتقالها من (أوغندا) إلى (غانا)، وأمينا عاما لاتحاد كتاب الشعوب الأفريقيّة. ولم يعد إلى نيجيريا إلاّ بعد سقوط عهد الجنرال(جوون)عام 1976، وعلل منفاه الاختياري ذاك بأنه كان نتيجة الضغوط التي وقعت عليه في ذلك العهد من جرّاء نشاطه السياسي والمسرحي.
• بعد عودته عيّن رئيسا لقسم الأدب المقارن بجامعة(أيفي IFE ( وعاد إلى نشاطه في الكتابة والتأليف حتى فاز بجائزة (نوبل) في الآداب عام1986 ، وكانت أول مرة تمنح هذه الجائزة لكاتب أفريقي.
• وولي شوينكا ليس مؤلفا مسرحيّا فحسب ، ولكنه ممثل ومخرج أيضا، فضلا عن كونه شاعرا وروائيا ومترجما وناقدا ومحاضرا، وليس في تعدد نشاطه هذا ما ينفرد به سوى موهبته وأصالته وغزارة إنتاجه.
• معظم أدباء نيجيريا وغيرها من البلدان الأفريقيّة جنوب الصحراء، متعددوا النشاط والأجناس الأدبيّة. ومع ذلك تحتل المسرحيّة المرتبة الأولى في قائمة إنتاجه.
• له نحو 20 نصا مسرحيّا لم ينشر منها سوى 14 مسرحيّة. ومع أن معظم هذه المسرحيات العشرين قصيرة ، من فصل واحد، فقد حققت له شهرة دوليّة عريضة.إما عن طريق العرض المباشر في أوربا وأمريكا، وإما عن طريق الترجمة.
• ظهرت عن أعماله دراسات جامعيّة عديدة. ووصفه المستفرق الانجليزي(جيرالد مور) في كتابه عنه بأنه " صاحب خيال تراجيدي كبير"
كما قال عنه الناقد النيجيري (إبيولا أيريلي) "إن النوعيّة الخاصّة لعظمة كتاباته تفرض نفسها على عقولنا"...

.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق