السبت، 26 ديسمبر 2009


دراسات في شعر المرأة الأفريقيّة


(4)
وللمرأة الأفريقيّة قضاياها كأنثى .. معاناتها البيولوجيّة في الحمل والإنجاب، الآلام التي تفلق الصخر يتحملها هذا الجسد النحيل، تلبية لرغبة التناسل والاستمرار النوعي في هذه الحياة.. معاناة الحمل والإنجاب لا يحسّ بها ولا يشعر بها غير المرأة.
تأتي هذه الآلام كأمر طبيعي هيّأته الطبيعة لأنثويّة المرأة، ولكن فوق ما تحمل من أعباء ومن قسوة الرجل وتعاليه عليها واستعباده لها تعاني الأمرّين ليخرج الطفل إلى الحياة..
كيف تعبّر المرأة عن هذه الآلام ، عن هذه المعاناة غير الصراخ والصراخ والصراخ إلى أن يمتزج ويتداخل صوتها بصراخ الطفل الوليد.. المرأة الأفريقيّة الشاعرة هي وحدها من ركّزت على هذه التجربة وحاولت تجسيدها عبر الإبداع اللغوي.. تجربة صادقة ، معاناة ، آلام، انتفاضة كاملة للجسد.. ومفردات من نقيع الدم وصرخات الحياة..

(إيرين أسيبا دالمينا) الشاعرة الأفريقيّة من بنين والتي تعلمت في بنين ونيجيريا وفرنسا والولايات المتحدة وحصلت على بكالوريوس الآداب والفنون(ليسانس الإنجليزيّة)، جامعة أمينس فرنسا 1969 وماجستير الفلسفة في جامعة أبادان – نيجيريا 1979، ودكتوراه من جامعة أموري، أتلانتا، جورجيا 1987 ، والتي تعاونت مع أولجا ماهوجب في ترجمة (سهم الله) لشينوا أتشيبي إلى الفرنسيّة، وتعمل في جامعة أريزونا، فونيكس.

إيرين أسيبا دالمينا تقول في قصيدتها التي تحمل عنوان (أختي ، أنت لا تستطيعين تخيّل الطفل خارجك) حيث تقول:
. يوما بعد يوم
أسبوعا بعد أسبوع
شهرا بعد شهر
حياة داخلي
يدهشني الشعور به ينمو
غير قادرة على إدراك السرّ
أنا خائفة من الألم
ليس مثل أيّ ألم عرفته
هل المعرفة قوّة؟
هل الجهل نعيم؟
الرفسة الأولى مفعمة بالحيويّة،
لطيفة، تحرّك الوجع
هل سيكون الآتي مشابهاً؟
كتاب لا ماز القديم
على رفّ مترب
شهيق، زفيرٌ ، نفح الحياة.
الأخواتُ يسخرن منك
ومن"لاماز" أيضا
ومن كلّ الكتب التي قرأتها
عندما يستبدّ الألم
وتسود قوّةُ الطبيعة الملكة
من يتذكّر؟
يا أختاه لا يمكن أن تتخيّلي الطفل خارجك!
أخطبوط ضخم
مجسّات في تشوّش
جسدي لا يعرف
كيف يوزّع الوجع
أخيراً: الهدوء
بلسم مسكّن فوق جرح غير ملتئم
ثمّ فجأة ينهار السد
وتندفع المياه
مندهشة من التدفق الجارف
أتمدّد منقوعة في الألم والخوف
يد حديديّة تقبض على رحمي
وبوحشيّة تطلق سراحه
تقبض، تطلق سراحي
مرّة بعد مرّة
أسرع فأسرع
حبيبات عرق تغطّي جلدي البنّي
العيون مفتوحة على اتساعها في عدم تصديق
لم أكن أعرف أنّني
يمكن أن أكون بهلواناً كبيراً !
منهكةً
أحشد كلّ طاقتي
كبركان
ينفث قوّة حيّةً
آخر وخزةٍ موجعة،
وقبل أن أدري
تنطلق صرخة تشبه الرعد
كأنه يأتي إلى هذا العالم،
الطفلُ
مع صرخة الحياة المبهجة.
نعم، أنا أعرف:
لا يمكن أن تتخيّلي الطفلَ
خارجك !!!
القضايا التي تتعلق بالمرأة كثيرة ومتعدّدة، تشكل عالم المرأة والتي لا يستطيع أن يعبّر عنها غيرها مهما عايش جوانب منها. فمسألة الحمل يعرف الرجل عنه ما أخذه عن الأحاديث العامة وما شاهده وما قرأه في المجال العلمي.. أمّا الأحاسيس الداخليّة والقلق والمشاعر التي تعتمل بصدر المرأة عن هذه المرحلة والمشوبة بل والممزوجة بالفرح والسعادة والانتشاء والزهو وبالحزن والتوتر والقلق والخوف والترقّب ومعانقة الموت والعودة للحياة.. بالشعور بالأمومة والاعتزاز بالدور الطبيعي لها إلى الخوف من المفاجآت والإعاقات والتغيّر البيولوجي ورسم صورة المستقبل وكيفية التنشئة والرعاية إلى الخوف من جور الزمان وغدره بعد الأمان الذي كان يلفها ويحميها.
فالحمل رغبة، والحمل مرحلة، والحمل معاناة وترقّب، والحمل إضافة، والحمل خصوبة، والحمل تأكيد للدور الطبيعي للمرأة. والحمل عند المرأة الأفريقيّة مرتبط برضا الأسلاف عنها وعن الزوج، أو هو حلول لروح الأسلاف وتجدّد فيها.. والتكاثر عزوة للآباء وللقبيلة، والتناسل تأكيد للذات وقهر للموت الذي مهما أخذ حتى في ظل التخلف فالحياة باقية والبشر مستمرون..
أمّا الولادة فآلام ومعاناة وموت وحياة وغياب وحضور ، وجهد لا يطاق تبذل فيه المرأة أقصى ما لديها من قوّة وكل ما امتلكت من طاقة ودفع.. فيها التشنج وآلام المخاض وتعسّر الولادة وما يصاحبها من أنين وصراخ وآلام ومعاناة وعرق ودموع ودماء وأوجاع تفوق قسوتها كل التصوّر ولا تنتهي إلا بصراخ الطفل
ومن جنوب أفريقيا تلتقينا الشاعرة (جيني كوزون) المولودة في 1942، حيث تعلّمت في بلادها ثمّ تحركت طلبا للعلم إلى إنجلترا، ثمّ إلى فيكتوريا، وكولمبيا البريطانيّة، واستقرت بعضا من الوقت في تورينتو أونتاريو. تعيش حاليا في لندن. نشرت قصائدها في صحف جنوب أفريقيا، وإنجلترا وكندا.. كما أنها محررة (بلوداكس للشاعرات المعاصرات" 1985. ولها من الدواوين المنشورة: طيران – 1970 -- حفل زفاف حمار 1971 – كرسماس في أفريقيا 1978 – بيت التغيّرات 1978 – الطير السعيد 1978 -- الحياة بجانب الفرق 1983 --.
تقول شاعرتنا الجنوب أفريقيّة عن الألم وهي تنطلق من ألم المخاض الذي عانته ، وهزّ كامل جسدها:
في البداية الآلام تدبّ حذرة فيَّ
كتسلّل الأطفال
أتحكّم في جزيئاتي بانتظام مع التنفّس
أحلم بالسباحة في الهواء أنشّط قوّتي
أركّز في النعمة الإلهيّة
ويبسط الأصيل ساعاته المختزنة
تتصاعد التقلّصات مثل مياه المحيط
حتى تصبح آلام العجيزة موجاتٍ متكسّرةٍ بقمم بيضاء
تقذفني عاليا تدفعني لأسفل
في ظلام مندفع ولم أعد أبكي ، لكنها تعصف
بوحشيّة كل لحظة
وغرفة المستشفى المضيئة تغرق في ضباب أرضي
أنا ضائعة
والألم عجلات عملاقة من الحجر تجرشني
أنا عمياء، أنا عجوز
طائر متشائم يطير من حنجرتي
الألم يطحنني في أسنانه
يمسحني خارجا إلى البحر
وينابع غضب تنفجر في لساني
لكن الزمن توقّف
عند الساعة السابعة وخمسٍ وعشرين دقيقة.
الساعات تتلوّى في فم الألم
تطلق بانتظام مصباحا يوخز في ضباب
على معصمك الجاجي أتوسّل تخليصي
يغرز مخالبه عميقا
الأوان تجأر في عينيَّ
وأصوات تصلني مثل الأصوات التي تصل عبر الموج
احبسْ أنفاسكْ، أداؤك جيّد..
بعيد ، بلا معنى، وغريب
النهار انزلق نحو ليل وليل
ينحرف عاجزا نحو الفجر
عندما اندفعُ إلى وعْيي ثانيةً
تقرع نحوي كلمات مثل نغمات جرس زجاجي
دفعة لطيفة واحدة ويولد هذا الطفل
أنا يقظة بوحشيّة
كاشفة أسناني، أنثى ذئب تراجعت عن الفرار
مزمجرة في وجه الموت
صوتي يتحرّر وعضلاتي تلتوي
إلى أسفل، نحو آخر وثبة قويّة
لأقذفك حرّاً،
بينما تندفع بسرعة نحو الحياة.
متذكرة هذا الألم أشعر نفسي خائنة
لكشف شفرة مارسناها في عائلة النساء
عبر أجيال.
عندما أراك
الألم في لحظة ينطلق من الذاكرة
مثل إعصار تسونامي الذي يسحق الأرض
ينجرف إلى البحر
وأفهم الكذبة التي أصدقني أصدقائي بشأنها
قبل أن تولد.
تجربة العمر
مع انبعاث الفرح برؤياك
نذكرك
ننسى الألم
نستسلم للذاكرة بسعادة على التو
دون اختزان أيّ أثر لمرارة أو خوف.
سيكون لنا أطفال آخرون.
بمرح نشجع بعضنا البعض
ويظل رجالنا شاحبين مصدومين
يتهامسون، يتشاورون فيما بينهم
معتقدون أنفسهم جبناء مخزيّين في قلوبهم
ويشكرون الرب بامتنان لكونهم رجالاً...
.

هناك تعليق واحد: