السبت، 10 يوليو 2010

مقامة المفردات
خطأ في القاموس العام

   عبدالرؤوف بابكر السيّد

اللغة تواضعٌ يحمل دلالات كلّ مفردة، ويجمع تواصل كل شاردة وواردة، حسيّة ومعنويّة أو سائدة، ويحصر لمعانٍ تقبض عليها الحروف مفتوحةٌ وموصدة، ويعمّقها الاستخدام، ويؤطرها مع الزمان الكلام، المنطوق منه والمكتوب، ويخلو قاموس المفردات من الخطأ، ويسطّر عن طريقه كلّ مبدأ، لأنّ الرصد يتمّ لاحقا للاستعمال، كما التقعيد لاحقا للإبداع والاكتمال،والبيان شاهدا بالمثال ..
ولكن هذه الأيام، مع تغيّر اعترى الأنام، في الهجرة والمقام، في القعود والقيام، في الحروب والسلام، والناس تدبّ في الحياة وهم نيام، أو هكذا يريدهم الساسة والحكّام، يتفجّر إحساس بأنّ هناك خطأ في القاموس العام، بل هناك شيء مّا تجاوز الإيهام والإبهام، أو أن هناك غفلة وانحرافا في الوعي بشكل عام، ربما كانت العولمة التي تسعى لخلق الانسجام، وربما كان التطلّع لتحقيق الأحلام، وربما كان انحسار الحبّ والغرام، أو ما حجب الأفق من الغمام، أو لربّما اليأس سيّد الأحكام، فقد لمس الجميع التغيّر في المزاج العام، واختلافات في المناخ على مدى الأعوام، ونزاعات الحرب والسلام، والحلال والحرام في فتاوى الشيخ والإمام..
سبحت وسط سديم الظلام، وقرأت ما سطره الواقع وما كتبته الأحلام، وما دريت لمن يكون الاحتكام.. فوجدت البلاد تطرد أبناءها، فيطلبون الهجرة وينسون أسماءها، وقد كانوا الأوفياء لها، قانعين بأحوالها، صابرين على أجوائها، عاشقين لأسمارها، حامدين شاكرين على نعمائها..قلت إنها سحابة معتمة وستنقشع، لكنّ ما تراه العين كان أبشع..بينما كانت الآمال أروع..
. فالخيانة أضحت وطنيّة، والعمالة انتقائيّة، لها برامجها ومبرراتها المنهجيّة، والسيادة أمست للمحكمة الجنائيّة، والتدخلات الأجنبيّة، واختلّت الآيات الكونيّة، واستشرى الفساد في كلّ الجهات، فالرشوة صارت تسهيلات، والكذب أضحى من السياسات، والنفاق أجدى من المواجهات، والحكم بالصناديق أو بالانقلابات، وبعض أهل الدين ركّزوا على العبادات وتركوا المعاملات، وحرّموا التسامح والابتسامات، وأباحوا العمالة والعمولات، والفتاوى تفصّل حسب الطلبات،و(سلمها لعالم وارقد سالم) والوساطات والمحسوبيات أضحت هي المؤهلات، لأنها عماد الولاءات، تفسّر بأنها تزكيات وخدمات، فجاءت عن طريقها التعيينات، واعتُمدت عن طريقها الترقيات، والحريّات ضاعت بين القمع والانفلات، والكفر بالجماعات، والسعي لتقديس الفرد والذات، وانهارت الحروف والمفردات، فالنفاق أضحى سياسة، والسياسة رئاسة، والرئاسة كياسة، والاقتصاد الحر تجاوز للبرّ والبحر، فالفضاء مفتوح والاختلاس مسموح، والثراء فنّ طموح، ولا يهمّ إن كان الشعب مكبوحا جماحه، أو الوطن مجروحا أو مهيضا جناحه.. والشعوذات ليست جهالة، والاستقواء بالغير لا يعدّ عمالة، واستدعاؤه لاحتلال الوطن ثورة، والثورة الحقّ عورة، والاحتماء بالدين في السياسة، والخداع باسمه للتمكين في الرئاسة، وحمل السلاح ضد أبناء الوطن نضال، والنضال مآل، لا يعتريه شكّ أو جدال، والانفصال عن الوطن الواحد استقلال، ووجود قوات أجنبيّة في أرض الوطن حماية، بل أضحى غاية، والحريّة إخلال بالنظام العام، أو لابدّ من الانضباط والتمام، والحداثة تدمير للمجتمع، لمن يعي ويسمع، والحفاظ على التقاليد والأعراف البالية أصول ووطنيّة، وتلك غاية وأمنيّة، وقتل المدنيين جهاد، والإعلان عن ذلك على رؤوس الأشهاد، والانتحار فدائية، حين تكون الدوافع دينيّة، والتراث واستنساخ الماضي أصوليّة، وحريّة التعبير انحلال وفوضويّة، والطيبة سذاجة عصريّة، والكرم تبذير وأخوّة شيطانيّة، والصدق قيمة بدائيّة، والشهامة تعدٍّ على القانون بموادّه المحميّة، والشجاعة تهوّر وقضيّة جنائيّة، والجبن سياسة للتأمين، والدبلوماسيّة كذب ومراوغة وتلوين، والديمقراطيّة تمثيل للشعب كما يقولون، وخداع أمين، والمرأة - وما أدراك - أستاذ للشياطين، إلاّ الطيّعة منهنّ إلى حين، والتي لا تستمع للعلمانيّين الملحدين، ولا الوطنيين المجانين، وتلتزم بالدين والمتديّنين، كما تلزم بيتها الأمين، وإن خرجت فالنقاب حافظ لها من الطامعين، ومن مجتمع الذئاب الجائعين، والتعليم تجهيل صريح، والجيل الغائب جريح، وضعف اللغة العربيّة، يحتّم على أهلها اللجوء للغات الأجنبية. أو الإعلاء من شأن اللهجات المحليّة، هذه مجتمعاتنا بلا جدال، على هذا المنوال، والحوار ليس بالمفردة بل بالحرب والقتال، والسؤال متى يستفيق العقّال، لتصحيح هذا الحال، ومتى تعود قيمنا تلك الثوابت والرواسي كالجبال، فالجماهير مستباحة، ولذلك أخلت الساحة، ألم أقل إن هناك خطأ في القاموس العام، وأنه لا يفي بالمرام، فما علينا إلا إعادة كتابة المعاجم، بما ينسجم في مجتمعاتنا بين المحارم والمغانم والمكارم، أو ما يمكن استخراجه من المناجم، وما يتم استحداثه من مصطلحات، من أجل الوعي بالذات، وما تعدّل دلالاتها حسب الانحدارات، وما يستحدثه الفساد من مفردات ...

هناك تعليق واحد:

  1. تفشى الفساد فاضحى الملاذ، وما من شعب تالق إلا إذا اضحى التعليم هو الاساس والقضاء هو التاج, وهو الملجاء والأحساس بالأمن والعدالة,وارتداء ثوب الشرف والامانة اصبح هو البنية التحتية، اضافة إلى الحفاظ على اللغة والهوية, لدخلنا عصر المدنية من أو سع ابوابها.
    أم شدن

    ردحذف